وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨)) [يوسف : ١٢ / ٦٧ ـ ٦٨].
روي أن أولاد يعقوب ، لما ودّعوا أباهم ، قال لهم : «بلّغوا ملك مصر سلامي ، وقولوا : إن أبانا يصلّي عليك ، ويدعو لك ، ويشكر صنيعك معنا». والصلاة معناها هنا الدعاء بالرّفعة والمنزلة العالية وبالمغفرة والفضل الإلهي.
وقال يعقوب لأولاده : يا بنيّ لا تدخلوا مصر من باب واحد ، وادخلوا من أبواب متفرقة ؛ لأنهم كانوا أهل جمال وكمال ، لئلا تصيبهم العين ، والعين قد تكون سببا في المهالك.
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح : «العين حقّ» أي شيء ذو أثر موجود عند الناس ، وفي خبر آخر : «إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر» (١). والعين لا تضرّ إذا برّك العائن ، فيقول : تبارك الله أحسن الخالقين ، اللهم بارك فيه. وإذا أصاب العائن ولم يبرك ، يؤمر بالاغتسال ، ويجبر على ذلك إن أباه.
وتابع يعقوب وصيته ومفادها : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ..) الآية ، أي وما أدفع عنكم بوصيتي وتدبيري من قضاء الله شيئا ؛ لأنه لا يغني حذر من قدر ، وإن كنا مأمورين باتّخاذ وسائل الحيطة والحذر ، لقوله تعالى : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) [النّساء : ٤ / ١٠٢] أخذا بالأسباب العادية الظاهرية ، وليس دفعا للقدر ، وتحدّيا للقضاء. ويظل إنفاذ الحكم وتدبير الأمر لله وحده ، لذا قرن يعقوب كلامه السابق : بأن الحكم لله وحده ، وعليه وحده توكّلت ، وبه وثقت ، وعليه تعالى فليتوكل المتوكلون ، دون أن يعتمدوا في تحقيق النتائج على أنفسهم وأمثالهم من البشر ذوي الإمكانات المحدودة والقدرات البسيطة أمام قدرة الله الفائقة.
__________________
(١) ذكره ابن حبّان في المجروحين والقيسراني في تذكرة الموضوعات.