وضمنتم حفظه ، ولكني مع قلة طمأنينتي ، أفوض أمري إلى الله ربّي ، وأثق به ، وأتوكّل عليه ، وهو أرحم الرّاحمين بي ، وسيرحم كبري وضعفي وتعلّقي بولدي ، وأرجو الله أن يرحمني بحفظه ، وأن يردّه علي ، ويجمع الشّمل. وهذا استسلام من يعقوب عليهالسلام وتوكّل عليه ، وذلك موقف الأنبياء النابع من الإيمان العميق والاطمئنان لربّ العالمين ، وهو موقف يتأسى به أهل الإيمان.
وزاد الإغراء بإرسال بنيامين أن الإخوة لما فتحوا أمتعتهم وأوعية طعامهم ، وجدوا بضاعتهم من النقود ثمن الطعام قد ردّت إليهم ، وتلك فعلة يوسف عليهالسلام الذي أمر بوضعها في رحالهم ، وقالوا على الفور : يا أبانا ماذا نريد زيادة على هذا الإكرام والإحسان من ملك مصر ، كما حدّثناك ، فما تعدّينا ، فكذبنا على هذا الملك ، ولا في وصف إجماله وإكرامه ، هذه البضاعة مردودة ، ونأتي بالميرة (الطعام) إلى أهلينا من مصر ، ونحفظ أخانا ، بنيامين بعنايتنا ورعايتنا ، فلا تخف عليه ، ونزداد مكيال بعير لأجله ، وذلك الحمل الزائد أمر يسير على هذا الحاكم السّخي ، الرّحيم إذا أخذنا أخانا معنا.
قال يعقوب مريدا التّوثق من أولاده ، وقد تذكر ماضي يوسف ومحنته : لن أرسل بنيامين معكم حتى تعاهدوني عهدا موثّقا باليمين ، لتعودنّ به على أي حال كنتم ، إلا في حال يمتنع ذلك عنكم بأن تهلكوا وتموتوا أو تغلبوا على أمركم وتقهروا جميعا ، ولا تقدرون على تخليصه ، فقوله سبحانه : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر ، أي تعمّكم الغلبة من جميع الجهات ، حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلّص ، وكأن هذا استشعار من بعد عما يتم ، ولكن لا بآلة ، وإنما بفيض النّبوة.
فلما آتوه ، أي عاهدوه وأعطوه موثقهم ، أي عهدهم المؤكد باليمين ، قال