وبعد بيان كون المنافقين يموتون كفارا ، أوضح الله تعالى أنهم يتعرضون أيضا لعذاب الدنيا كل عام مرة أو مرتين ، حين يختبرون بالأمر بالجهاد وبأنواع الاختبار العديدة من محنة اجتماعية كالزكاة والقحط والمرض ، وهي التي تذكر الإنسان بالله ، وتجعله ميالا إلى الإيمان وترك الكفر ، ولكنهم مع ذلك لا يتوبون من ذنوبهم السابقة ، ولا يتعظون فيما يستقبل من أحوالهم ، أفلا يزدجر هؤلاء الذين تفضح سرائرهم كل سنة مرة أو مرتين ، ويتذكرون وعد الله ووعيده؟!
وإذا أنزلت سورة قرآنية فيها فضيحة أسرارهم ، تعجبوا وتأملوا وتسللوا من مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتلفتوا متغامزين قائلين : هل يراكم الرسول أو المؤمنون إذا خرجتم؟! ثم ينصرفون عن طريق الاهتداء ، ويتولون عن الحق ، فهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه ، ولا يفهمون شيئا عن الله ولا عن رسوله ، ومن أعرض عن ساحة الإيمان والخير ، أعرض الله عنه ، وصرف الله قلوبهم عن الحق والإيمان ، وعن الخير والنور ، وهذا إما دعاء عليهم به ، أو إخبار عن أحوالهم ، وذلك الصرف الإلهي بسبب أنهم قوم لا يفهمون الآيات التي يسمعونها ، ولا يريدون فهمها ، ولا يتدبرون فيها حتى يفقهوا ، بل هم في شغل عن الفهم ونفور منه ، كما قال الله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٦١ / ٥].
صفات الرسول صلىاللهعليهوسلم المتعلقة بأمته
ليس من الوفاء ولا من الأخلاق أن يكون هناك تنكر أو مجافاة لدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم من أمته العربية ، فدعوته شرف خالد وعز دائم لهم ، وقد جاء بلسانهم العربي ، وبما يفهمونه من الأغراض ، وبما يعشقونه من الفصاحة والبلاغة ، فكان جديرا بهم أن يؤازروه ويبادروا إلى الدخول في دينه ، ومناصرته والدفاع عنه ، ولقد تميز أهل المدينة