الشيطان ، وجهاد النفس والهوى ، لقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) [الحج : ٢٢ / ٧٨] وقوله سبحانه : (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [التوبة : ٩ / ٤١]. وقال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما رواه أحمد وغيره عن أنس : «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» وما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحة عن فضالة بن عبيد : «المجاهد : من جاهد نفسه لله أو في الله عزوجل».
ومعنى الآية التي أودّ بيانها هنا : يا أيها النبي جاهد كلا من الكفار والمنافقين ، وعاملهم بالشدة والخشونة ، إرهابا لهم ، وقمعا لمحاولات اعتدائهم ، ولهم عذابان : عذاب الدنيا بالجهاد وعذاب الآخرة في جهنم. وذلك لأنهم يظهرون العداوة والتحدي ، ويجاهرون بالكفر صراحة ، ويهمّون بالفتك برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويستهزئون بآيات الله وبالنبي وبالمؤمنين ، ويحلفون الأيمان الكاذبة ، ويتلاعبون بالدين ، مظهرين الكفر بعد أن أظهروا الإسلام ، وهموا بما لم ينالوا ولم يتحقق مأربهم وهو اغتيال الرسول في العقبة ، بعد رجوعه من غزوة تبوك. ولم يكن لأولئك المنافقين عذر في موقفهم المعادي بالرغم من أن الله تعالى أغناهم من فضله ، ورسوله أيضا بإعطائهم من الغنائم الحربية بعد أن كانوا فقراء في المدينة.
ومع كل هذا لم يبادرهم المسلمون بالقتال ، وفتح الإسلام لهم باب التوبة والأمل ، فإن يتوبوا من النفاق ومساوئ الأقوال والأفعال ، يكن ذلك خيرا لهم وأصلح ، ويفوزوا بالخير ، ويقبل الله توبتهم إن صدقوا في كلامهم. وإن يتولوا عن التوبة بالإصرار على النفاق ، يعذبهم الله عذابا مؤلما في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فهو القتل وسبي الأولاد والنساء واغتنام الأموال ، والعيش في حال شديدة من القلق والخوف والهمّ ، وما لهم في الأرض كلها من ولي يتولى أمورهم ويدافع عنهم ، ولا نصير ينصرهم وينجيهم من ألوان العذاب ، وهم في صف معاد للمسلمين ،