وحينما تمادى المنافقون في غيهم وضلالهم ، نزلت سورة التوبة (براءة) تفضح شأنهم ، فسميت بالفاضحة أو الكاشفة فاضحة المنافقين وكاشفتهم ، وكان يقال لها المنبئة ؛ لأنها أنبأت بمثالبهم وعوراتهم وقبائحهم.
ومن قبائحهم جميعا أنهم يحلفون كثيرا الأيمان الكاذبة ليرضى المؤمنون عنهم ، ويعتذروا عن أفعالهم ، ويحاولوا إعلان أنهم من المسلمين في الدين ، والحال أن الله تعالى يعلم كذبهم ، وأن الله ورسوله أحق بالإرضاء من المؤمنين ، فعليهم إظهار الإيمان الصادق والطاعة الحقيقية ، إن كانوا مؤمنين بحق.
ثم وبخهم الله تعالى مبينا خطورة هذا الموقف ، ومضمون التوبيخ : ألم يعلم هؤلاء المنافقون ويتحققوا أن من عادى الله ورسوله وخالفه بتجاوز حدوده أو الطعن برسوله في أعماله أو أقواله ، فجزاؤه جهنم خالدا فيها أبدا ، مهانا معذبا فيها إلى الأبد ، وذلك العذاب هو الخزي العظيم ، أي الذل الكبير والشقاء الشنيع.
وسبب نزول آية (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) فيما روى ابن المنذر عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال في شأن المتخلفين عن غزوة تبوك الذين نزل فيهم ما نزل من آي القرآن : والله ، إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ، وإن كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير ، فسمعها رجل من المسلمين فقال : والله إن ما يقول محمد لحق ، ولأنت شر من الحمار ، وسعى بها الرجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبره ، فأرسل إلى الرجل فدعاه ، فقال : ما الذي حملك على الذي قلت؟ فجعل يتلعن (يلعن نفسه) ويحلف بالله ما قال ذلك ، وجعل الرجل المسلم يقول : اللهم صدّق الصادق ، وكذّب الكاذب ، فأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ).
إن كثرة الحلف من المنافقين كانت بقصد إبعاد التهم والشبهات عنهم ، ولكن الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما تكنه الصدور ، كشف أكاذيب المنافقين