لقد دعا الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى غزوة تبوك ، وكانوا في عشرة وضيق ، وشدة حر ، وقد حان قطاف التمر عندهم حين طابت الثمار ، فشق ذلك عليهم ، فأبان الله تعالى أنه لا يصح ترك سعادة الآخرة والخير الكثير الخالد ، من أجل ترف الدنيا وطيباتها ، فذلك جهل وسفه ، وخص الله تعالى بالعتاب ثلاثة من المؤمنين : وهم كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، بسبب مكانهم من الصحبة ، إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم ، وكان تخلفهم لغير علة.
اشتد الله في عتاب المؤمنين المتخلفين عن الجهاد في غزوة تبوك قائلا لهم : يا أيها المؤمنون بالله ورسوله ، ما لكم تثاقلتم وتباطأتم عن الجهاد ، حين قال لكم الرسول الأمين : انفروا في سبيل الله لقتال الروم الذين تجهزوا لقتالكم ومهاجمتكم؟! فأي شيء يمنعكم عن الجهاد؟ أرضيتم بلذات الحياة الدنيا بدلا من الآخرة وسعادتها ونعيمها؟ إن كنتم فعلتم ذلك ، فقد تركتم الخير الكثير في سبيل الشيء الحقير ، فما تتمتعون به في الدنيا متاعا مقترنا بالهم والألم ، ولفترة مؤقتة ، إذا قيس بنعيم الآخرة الدائم ، إلا شيء حقير قليل ، لا يصلح عوضا عن العطاء الكثير في الآخرة. قال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما رواه أحمد ومسلم والترمذي : «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم ، فلينظر بم يرجع؟» وأشار بالسبابة.
ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد ، فقال : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ ..) أي إن لم تخرجوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ما دعاكم إليه ، يعذبكم الله عذابا مؤلما في الدنيا كالهلاك بالقحط وغلبة العدو ، ويستبدل بكم قوما غيركم ، لنصرة نبيه وإقامة دينه ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٤٧ / ٣٨] إنكم بتوليكم عن الجهاد لا تضروا الله شيئا ؛ لأنه هو القاهر فوق عباده ، والله قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم.