وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١)) (١) [الأنفال : ٨ / ٣٠ ـ ٣١].
نزلت الآية الأولى : (وَإِذْ يَمْكُرُ) في شأن اجتماع قريش في دار الندوة. أخرج ابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس قال : إن نفرا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد ، سمعت بما اجتمعتم له ، فأردت أن أحضركم ، ولن يعدمكم مني رأي أو نصح ، قالوا : أجل ، فادخل ، فدخل معهم ، فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، فقال قائل : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : زهير ونابغة ، فإنما هو كأحدهم.
فقال عدو الله الشيخ النجدي : لا والله ، ما هذا لكم برأي ، والله ليخرجن رائد من مجلسه إلى أصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ، ثم يمنعوه منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم ، فانظروا في غير هذا الرأي.
فقال قائل : أخرجوه من بين أظهركم ، واستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع.
فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة قوله ، وطلاقة لسانه ، وأخذه للقلوب بما تسمع من حديثه ، والله لئن فعلتم ـ ثم استعرض العرب ـ ليجتمعن عليه ، ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ، ويقتل أشرافكم.
قالوا : صدق والله ، فانظروا غير هذا ، فقال أبو جهل : والله لأشيرنّ عليكم
__________________
(١) أكاذيبهم المسطورة في كتبهم.