لئن آتيتنا ولدا صالحا تام الخلق ، سليم الفطرة ، لنكونن لك من الشاكرين نعمتك وفاء وعرفانا بالجميل.
فلما آتاهما الله ما طلبا ، ورزقهما ولدا صالحا سويا كامل الخلقة ، جعل الزوجان أي بعض بني آدم لله شركاء فيما آتاهما وأعطاهما ، بأن سمياه عبد الحارث ، والحارث : اسم إبليس ، أو سمياه عبد العزى أو عبد مناة أو عبد شمس أو اللات ، فتعالى الله عما يشركون ، أي تعاظم وتنزه الله عما نسبوا له من الولد والشريك ، هذه صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم واعتقادهم بالشرك.
ثم ناقش الله هؤلاء المشركين وفنّد أقوالهم ، ونقض الشرك من جذوره ، فقال تعالى : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)) أي أيشركون ما لا يستطيع خلق شيء ، وإنما الله هو الخالق لهم ولأولادهم ولكل مخلوق ، وهذه الأصنام أو الشياطين مخلوقة مصنوعة ، لا يستطيعون لعابديهم تحقيق أي معونة أو نصر ، بل إنهم لا يتمكنون من نصر أنفسهم على أعدائهم ، بإهانة أو سب أو أخذ شيء مما عندهم من طيّب أو حلي ، فلا نصر لأنفسهم على من أرادهم بسوء.
هذا كله إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان ، وهي مخلوقة لله ، مربوبة ، مصنوعة لا تملك شيئا من الأمر ولا تضر ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تبصر ، ولا تنتصر لعابديها ، لكونها جمادات ، بل إن هذه الأصنام إن دعاها عبّادها إلى ما هو هدى ورشاد ، لا يستجيبون لهم ولا ينفعونهم ، فهم في كلا الحالين : حال عبادتها وترك عبادتها عديمو النفع ، سواء عليكم أيها المشركون دعاؤكم إياهم ، أو سكوتكم عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم ، ولا خير يرتجى منهم ، إذ هم لا يفهمون الدعاء ، ولا يسمعون الأصوات ، ولا يعقلون الكلام.
ومثل من كانت هذه صفته ، لا يصلح ربا معبودا ، وإنما الرب المعبود هو السميع