النعمة الأولى : أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يضرب بعصاه الحجر أو الصخر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بمقدار عدد أسباطهم ، كل سبط له عين خاصة به ، ومشرب مستقل بفرقته ، قد علم كل سبط مشربهم منه. ومن المعلوم أن السبط في ولد إسحاق كالقبيلة في ولد إسماعيل. وانبجاس الماء : خروجه بقلة وهدوء ، أما انفجار الماء فهو خروجه بكثرة وتدفق ، الانبجاس أخف من الانفجار.
النعمة الثانية : تظليل الغمام ، فكانوا إذا اشتد عليهم الحر في الصحراء ، يسخر الله تعالى لهم الغمام ، أي السحاب ، يظلهم بظله الظليل ، رحمة من الله تعالى.
والنعمة الثالثة : إنزال المن والسلوى ، فكان الطعام الشهي ينزل عليهم بسهولة ، دون عناء ولا مشقة ، وهو المن الذي كان يقوم مقام الخبز عندهم ، وهو مادة حلوة الطعم ، يجتمع كالندى على ورق الشجر وغيره صباحا. والسلوى : يقوم مقام سائر اللحوم ، وهو طير أكبر من السّماني.
سخّر الله تعالى هذه النعم لقوم موسى وهنأهم بها ، وأذن لهم بالانتفاع بها ، فقال الله لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي تمتعوا وانتفعوا بهذه اللذائذ المستطابات ، فهي نعم خصصناها بكم ، فما عليكم إلا شكر النعمة ، ولكن القوم جحدوا النعمة وبطروا بها وتكبروا عنها ولم يشكروها ، فظلموا أنفسهم وأضروها فقط ، وما ظلموا المنعم عليهم أبدا ، لأن الإنسان إذا أقدم على المعصية ، فهو ما أضر إلا نفسه ، حيث عرّض نفسه للعقاب الشديد ، ومن ظلم نفسه كان لغيره أظلم ، ومن ضيّع مجده كان لمجد أمته أضيع. ولو صلح القوم على أمر الله ، لكان لهم شأن آخر ، وكانت ألوان النعم الكثيرة كالسيل الهادر يغدقها الله عليهم.