ثم دعا شعيب على قومه لما يئس منهم فقال : ربّنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق ، وانصرنا عليهم ، وأنت العادل الذي لا يجور أبدا ، تحكم بالحق في كل نزاع وبين كل محق ومبطل ، وأنت خير الحاكمين عدلا وإحاطة ونزاهة.
وبعد أن يئس قوم شعيب من إعادة المؤمنين إلى ملّتهم ، لجؤوا إلى التهديد والوعيد ، فقال أشرافهم لأتباع شعيب : تا لله لئن اتّبعتم شعيبا فيما يقول وآمنتم به ، إنكم لخاسرون خسارة كبري في ترك ملّة الآباء والأجداد العظماء!! ولما استبدّ القوم في عنادهم وكفرهم ، عاقبهم الله بإنزال عذاب الاستئصال ، وأبيدوا بالرّجفة ، أي الزّلزلة الشديدة التي توقع الإنسان في ذعر شديد واضطراب وارتعاد ، وحرم الذين كذبوا شعيبا من ديارهم وأوطانهم ، كأن لم يقيموا فيها ، وكان هؤلاء الكافرون هم الذين خسروا خسرانا عظيما في الدنيا والآخرة ، دون المؤمنين.
وأما شعيب عليهالسلام فتولّى وأعرض عنهم قائلا وموبّخا : يا قوم لقد أدّيت لكم ما أرسلت به من ربّي ، وبلّغتكم ما فيه صلاحكم ، ونصحتكم نصحا مخلصا ، فكيف أحزن على قوم أنكروا وحدانية الله وكذبوا رسوله ، وكانوا في عداد التاريخ من الكافرين الجاحدين. قال الكلبي : خرج شعيب من بين أظهرهم ، ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم.
سنّة الله في ترويض الشعوب على الإيمان
إن رحمة الله تسبق عادة غضبه ، وحلمه بالناس والتّأني بهم هو القاعدة ، فلا يتعجّل الله بعذاب قوم إلا بعد متابعة الإنذارات ، والتّدرج بهم من التّضييق عليهم بالفقر أحيانا ، والمرض أحيانا أخرى ، ثم يغمرهم بالسّعة والرّخاء والرّفاه ، ليقارنوا بين الحالين ، فإذا لم يعتبروا بشيء ولم يتّعظوا بالأحوال التي يمرّون فيها ، ينزل العذاب