من المعلوم أن
موسى عليهالسلام متقدّم في الزمان على محمد صلىاللهعليهوسلم ، فكتابه متقدّم وفيه تلاوة ما حرّم الله تعالى ، فالتحريم
والتحليل وبيان أحكام التشريع قديم في البشرية ، والتوراة أشبه بالقرآن من الإنجيل
والزّبور لاشتمالها كثيرا على الأحكام أو التكاليف الشرعية ، لذا أمر الله نبيّه
بأن يخبر المشركين بما أنزل الله على موسى عليهالسلام وإيتائه التوراة تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن في
اتّباعه والاهتداء به وهو موسى ومن تبعه ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنا) [الأنبياء : ٢١ /
٧٣]. وفي التوراة تفصيل لكل شيء محتاج إليه من أحكام الشريعة : عبادتها ومعاملتها
، وهدى لمن اهتدى به ، ورحمة لمن تمسّك به ، فينجيه من الضلالة ، ليجعل قومه يؤمنون
بلقاء ربّهم ، أي لقاء ما وعدهم الله به من ثواب وعقاب في دار الكرامة والسّلام.
ثم وصف الله تعالى
القرآن الكريم بقوله : (وَهذا كِتابٌ ..) أي وهذا القرآن كتاب عظيم الشأن ، كثير الخير والنّفع في
الدين والدنيا ، ثابت لا ينسخ ، جامع لأسباب الهداية الدائمة والنجاة والفلاح ،
فاتّبعوا أيها الناس ما جاء فيه ، واتّقوا النار والجحود بما نهاكم عنه ومنعكم منه
، لتظفروا برحمة الله الواسعة في الدنيا والآخرة.
لقد أنزلنا إليك
القرآن أيها النّبي محمد ، فيه إرشاد للتوحيد وتزكية النفوس وتطهيرها من لوثات
الشّرك والفسوق ، لئلا تقولوا معشر العرب يوم الحساب : لو أنزل علينا مثل ما أنزل
على اليهود والنصارى من قبلنا بغير لساننا ، لكنّا أهدى منهم فيما أوتوه ، لأننا
أكثر وعيا وتفهّما وأعمق بصيرة وأشدّ عزيمة ، وإبطالا لتلك التعللات ومحاولات
التهرب من مسئولية العمل بشرع الله ، فقد جاءكم على لسان رسولنا النّبي العربي
محمد صلىاللهعليهوسلم قرآن عظيم ، فيه بيان للحلال والحرام ، وهدى لما في القلوب
، ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه ، ويقتفون ما فيه ، ففيه العقيدة والآداب
والأحكام.