ولذلك انقسم العلماء فيما بعد في التفسير إلى قسمين : قسم يتحرّج عن القول بالرأي ويقتصر على المنقول ، وقسم يقول فيه بالرأي. أما الصحابة والتابعون فلم يكونوا قسمين بل كانوا يقولون بالقرآن بما يعلمون من رأي ومنقول ، ويتحرّجون عما لا يعلمون ويحذّرون من القول في القرآن بالرأي من غير اعتماد على علم.
ثالثا ـ الإسرائيليّات : ذلك أنه دخل في الإسلام بعض اليهود والنصارى ، وكان بين هؤلاء علماء في التوراة والإنجيل ، وكان اليهود منهم ، أكثر ما دخلوا غير صادقين ، لأن اليهود أكثر حقدا وبغضا للمسلمين من النّصارى. فتسرّب من هؤلاء العلماء إلى المسلمين كثير من الأخبار الإسرائيلية ، دخلت في تفسير القرآن ليستكملوا بها شرح الآيات. ذلك أن شغف العقول وميلها للاستقصاء دعاها عند سماع كثير من آيات القرآن أن تتساءل عما حولها ، فإذا سمعوا قصّة كلب أصحاب الكهف قالوا ما كان لونه؟ (١) وإذا سمعوا (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) تساءلوا ما ذلك البعض الذي ضربوا به؟ (٢) وإذا قرأوا (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) تساءلوا من هذا العبد الصالح الذي لقيه موسى وطلب منه أن يعلّمه؟ (٣) ومن هنا تأتي قصّة الخضر. وهكذا كانت تتوارد عليهم قصص وأخبار فيسألون عنها. وتجدهم يسألون عن الغلام الذي قتله العبد الصالح ، وعن السفينة التي خرقها ، وعن القرية التي لم تضيّفه. وتساءلوا عن قصّة موسى وشعيب وعن مقدار سفينة نوح إلى غير ذلك. وكان الذي يجيبهم على هذه الأسئلة ويسدّ طمعهم في هذه المعلومات هي
__________________
(١) وفيها يقول الله عزوجل : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف / ٢٢]. والقليل الذين يعلمون ذلك من مثل ابن مسعود وابن عبّاس رضي الله عنهم فهما يقولان : [أنا من القليل]. والمسألة لا يبتنى عليها عمل ، والانشغال بالأسماء والعدد يصرف المرء عن العبرة في الذكر من القصة. والله أعلم. ينظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج ١٠ ص ٣٨٤ والدر المنثور للسيوطي : ج ٥ ص ٣٧٥ وما بعدها.
(٢) البقرة / ٧٣.
(٣) الكهف / ٦٥.