عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه](١). فأمّا في أحكام الدنيا فيتعلق به الحكم ؛ لأن الله نصّ على لزوم قتل الخطأ في إيجاب الدية والكفارة.
قال الكلبيّ : (كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا ممّا أمروا به أو أخطأوا عجّلت لهم العقوبة ، فيحرّم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الدّية ، فأمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم). وقال ابن زيد : (قوله تعالى : (إِنْ نَسِينا) شيئا ممّا افترضته علينا ، (أَوْ أَخْطَأْنا) شيئا ممّا حرّمته علينا).
قوله عزوجل : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) ؛ أي لا تحمل علينا ثقلا ؛ ويقال : عهدا ؛ كما حملته على بني إسرائيل بجرم منهم أمرتهم بقتل بعضهم بعضا ؛ وحرّمت عليهم الطيبات بظلمهم ، وكما كانوا مأمورين بأداء ربع أموالهم في الزكاة ونحو ذلك من الأمور التي كانت تثقل عليهم. ومنه قوله تعالى : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي)(٢) أي عهدي.
قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ؛ أي لا تحمّلنا ما يشقّ علينا من الأعمال ، وهذا كما يقال : لا أطيق كلام فلان ، ولا أطيق هذا الأمر ؛ أي لا أحمله إلا بمشقّة. هذا هو معنى الآية ؛ لأن الله تعالى لا يكلّف أحدا شيئا لا يكون ذلك في قدرته. وقيل : معناه : (ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من العذاب ، وقيل : هو حديث النفس والوسوسة. وعن مكحول أنّه (الغلمة) (٣). وعن بعضهم أنه كان يقول : اللهمّ أعذني وإخوتي من شرّ الغلمة ، فإنّها ربّما جرّت إلى جهنم. وقال ابن عبد الوهاب : (يعني العشق). وعن إبراهيم في قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) : قال يعقوب : (يعني الحبّ).
وقال بعضهم : حضرت ذا النون المصريّ في مجلس له ، فتكلم ذلك اليوم في محبّة الله عزوجل ، فمات أحد عشر نفسا في المجلس ؛ فصاح رجل من المريدين فقال :
__________________
(١) تقدم.
(٢) آل عمران / ٧١.
(٣) عن الدر المنثور : ج ٢ ص ١٣٦ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن أبي حاتم عن مكحول ؛ قال : الغربة والغلمة والإنعاظ». ومعنى الغلمة : هيجان شهوة النكاح ؛ أي شدّة شهوة المواقعة بين الرجل والمرأة.