فيما أمركم به ، (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ما به قوام دينكم ودنياكم ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) ؛ من أعمالكم ، (عَلِيمٌ) (٢٨٢) ؛ يعلم ما تعملون في الكتابة والشهادة.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية ، معناه : إذا كنتم مسافرين (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) يكتب الوثيقة بالحقّ ، (ف) الوثيقة (رهان) يقبضها الذي له الحقّ.
قرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد : (كتابا) يعني الصحيفة والدّواة ؛ قالوا : لأنه ربّما يجد الكاتب ولا يجد المراد والصحيفة والدواة. وقرأ الضحّاك : (كتّابا) على جمع الكاتب. وقرأ الباقون : (كاتبا) وهو المختار لموافقة المصحف.
وقوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) قرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو : (فرهن). وقرأ عكرمة وعبد الوارث : (فرهن) بإسكان الهاء. وقرأ الباقون : (فرهان) وهو جمع رهن مثل نعل ونعال ؛ وجبل وجبال. والرّهن : جمع رهان وهو جمع الجمع ، قاله الفرّاء والكسائي. وقال أبو عبيد : (هو جمع رهن ، مثل سقف وسقف).
قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) ؛ أي إن كان الذي عليه الحقّ أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئا لثقته وحسن ظنّه ؛ (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) أي فليؤدّ المطلوب أمانته بأن لا يبخس ولا يجحد.
قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) ؛ أي لا تكتموها عند الحكّام ولا تمتنعوا عن أدائها ، (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ؛ أي فاجر سريرته ، وأضاف الإثم إلى القلب وإن كان الآثم هو الكاتم ؛ لأن اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب ؛ وهذا أبلغ في الوعيد وأحسن في البيان ؛ لأن كاتم الشهادة يلحقه الإثم من وجهين ؛ أحدهما : العزم على أن لا يؤدّي. والثاني : ترك أدائها باللسان.
قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٢٨٣) ؛ أي عليم بما تعملون به من كتمان الشهادة وإقامتها ؛ وأداء الأمانة والخيانة فيها ؛ عالم لا يخفى عليه شيء ممّا تفعلون.