قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ؛) معناه : أن تذكّر الذاكرة الناسية إن نسيت ، ومعنى تضلّ : تنسى ، كقوله تعالى : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(١). وقوله تعالى : (فَتُذَكِّرَ) معطوف على (تَضِلَّ). وقرأ الأعمش : (إن تضلّ) بكسر الهمزة (فتذكّر) بالرفع ، ومعناه : الخبر أو الابتداء. وموضع (تَضِلَّ) جزم بالجزاء ، إلا أنّه لا تبين فيه للتضعيف ، (فَتُذَكِّرَ) رفعا ؛ لأن ما بعد (فاء) الخبر مبتدأ. وقيل في تفسير الآية : إن امتنعت إحدى المرأتين عن أداء الشهادة تعظها الأخرى حتى تشهد.
ومن قرأ (فتذكر) بالتخفيف) فالإذكار والتذكير بمعنى واحد. وقيل في معنى التحقيق : تجعلها ذكرا ؛ أي يقومان مقام رجل. قرأ زيد بن أسلم : (فتذاكر إحداهما الأخرى) من المذاكرة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب : (فتذكر) بالتخفيف. وقرأ الباقون (فتذكّر) بالتشديد.
قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ؛) أي لا يمتنعوا إذا دعوا إلى إقامة الشهادة عند الحكّام ، وهذا قول مجاهد وعطاء وعكرمة وابن جبير والضحاك والسديّ. وقال بعضهم : هذا في تحمّل الشهادة ؛ وهو أمر إيجاب أيضا.
قال قتادة : (كان الرّجل يطوف في الحيّ العظيم فيه القوم ؛ فيدعوهم إلى الشّهادة ؛ فلا يتبعه أحد منهم ؛ فأنزل الله هذه الآية) (٢).
وقال الشعبيّ : (هو مخيّر في تحمّل الشّهادة إذا وجد غيره ، فإذا لم يوجد غيره وجب عليه التّحمّل) (٣). وقال بعضهم : هذا أمر ندب ؛ وهو مخيّر في جميع الأحوال ، وهو قول عطاء. وقال المغيرة : (قلت لإبراهيم : إنّي أدعى إلى الشّهادة ؛ وإنّي أخاف
__________________
ـ (٧١٢٧) ؛ وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، وتعقبه الذهبي في مختصره ؛ فقال : «بل واه». معلول ب (محمد بن سليمان) و (عمرو بن مالك البصري).
(١) الشعراء / ٢٠.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٩٩١) ، وعن الربيع مثله في النص (٤٩٩٢).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٩٩٤).