قال سفيان بن عيينة : (السّنّة هي تأويل الأمر والنّهي) (١) ، ولقد جاء الأمر والنهي في القرآن الكريم ، وجاءت السّنّة لتبيّن للناس طريقة العمل بهما ، فالتأويل هنا ؛ توجيه المعنى المراد في دلالة النصّ إلى معهود العرب للعمل بها وفق النسق المخصوص للمكلّف حين مباشرته في الواقع. وعلى هذا يكون التفسير هو النظام المعرفي في إيجاد الفكر وتكوينه في ذهن المكلّف ، والتأويل هو الأثر الوظيفيّ للتفسير ؛ وكلاهما في حقيقته المعرفية لا ينفصل عن الآخر ، فهو لازم له.
فالتأويل عند السّلف رضوان الله عليهم ، بمعنى التفسير العمليّ للنص بترجمته في سلوك المكلّف وحركته حين ممارسة الحياة ؛ فهو إدراك قصد مراد الشارع ووعيه له فكرا وعملا ، تفكيرا وتطبيقا لهذا تصف عائشة رضي الله عنها فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ركوعه ، بأنه يتأوّل القرآن ، فتقول : [كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في سجوده وركوعه : سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك. يتأوّل القرآن](٢) أي يفعل ما أمر به في القرآن الكريم من السّجود والركوع والذّكر فيهما على ما أمر به. ويقول جابر رضي الله عنه في خبر حجّة الوداع : [ورسول الله بين أظهرنا ينزل عليه القرآن وهو يعلم تأويله ، فما عمل به من شيء عملنا به](٣) أي تأويل الرسول صلىاللهعليهوسلم بيان لطريقة العمل بالكتاب ؛ وهذا التأويل هو السّنّة والطريقة والتفسير هو العلم الذي تعبر عنه السّنّة وتترجمه بالفعل ، ولهذا يقول أبو عبيدة وغيره : (الفقهاء أعلم بالتّأويل من أهل اللّغة) ؛ قلت : لأن الفقه هو
__________________
(١) ينظر : الرسالة التدمرية لابن تيمية : ص ٦٠ ؛ طبع المكتب الإسلامي. والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة لابن قيم الجوزية : الفصل الرابع : ج ١ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧.
(٢) عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : (كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك ، اللهمّ اغفر لي. يتأوّل القرآن). رواه البخاري في الصحيح : كتاب الأذان : باب التسبيح : الحديث (٨١٧). قال ابن حجر في الفتح : قوله (يتأوّل القرآن) أي يفعل ما أمر به فيه. ومسلم في الصحيح : كتاب الصلاة : باب ما يقال في الركوع : الحديث (٢١٧ / ٤٨٤).
(٣) رواه مسلم في الصحيح : كتاب الحج : باب حجة النبي صلىاللهعليهوسلم : الحديث (١٤٧ / ١٢١٨) وهو شطر حديث طويل.