قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) ؛ أي قل لهم يا محمّد : يضلّ ويخذل بالمثل كثيرا من الناس ، ويوفّق لمعرفته كثيرا ، (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢٦) ؛ يعني الخارجين عن طاعة الله. قيل : هم اليهود في هذه الآية.
وأمّا في قوله : (مَثَلاً ما) قيل : نكرة معناه أن يضرب مثالا شيئا من الأشياء بعوضة فما فوقها. وقيل : الأصحّ أنّها زائدة مثل (فَبِما نَقْضِهِمْ)(١) ولا إعراب لها فيتخطّاها الناصب والخافض إلى ما بعدها. وقيل : نصب بعوضة على معنى ما بين بعوضة إلى ما فوقها ؛ فإذا ألقى (بين) و (إلى) نصب (٢). ويقال في الكلام : هي أحسن الناس ما قرنا (٣) ، ومدّ (ما). قوله تعالى (مَثَلاً) نصب على القطع عند الكوفيّين ؛ غير أنّه قطع الإضافة ؛ أي بهذا المثل. وعند البصريّين على الحال ؛ أي ما أراد الله بالمثل في هذه الحالة.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ؛ نعت للفاسقين. ومن جعله مبتدأ وقف على الفاسقين. وقوله تعالى : (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) أي يتركون أمر الله ووصيّته من بعد تغليظه وتوكيده. والعهد : ما أخذه الله على النبيّين ومن اتّبعهم أن لا يكفروا بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ويبيّنوا نعته وصفته. وقوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ، يعني الرحم الذي أمرهم بصلته ، (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٧).
__________________
(١) النساء / ١٥٥.
(٢) في نصبها أربعة أوجه ؛ نقلها القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.
(٣) أصله : (هي أحسن الناس ما قرنا فقدما) حذف ذكر (بين) و (إلى) أي ألقاهما وأدخل الفاء في (ما) الثانية دلالة عليهما ، فنصب (بعوضة) على إسقاط الخافض ، فأصله (ما بين بعوضة) فلما ألقى (بين) أعربت (بعوضة) بإعرابها ، وكانت الفاء في قوله : (فما فوقها) بمعنى (إلى) أي إلى ما فوقها. فقولهم : (هي أحسن الناس ما قرنا فقدما) يعنون ما بين قرنها إلى قدمها. وأنشدوا :
يا أحسن النّاس ما قرنا فقدما |
|
ولا حبال محبّ وأصل تصل |
أي ما بين قرن إلى قدم ، فلما أسقط (بين) نصب.