قوله عزوجل : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢) ؛ نصب على الحال ؛ إما من (ذلِكَ الْكِتابُ)) ؛ كأنه قال : ذلك الكتاب هاديا. وإما من (لا رَيْبَ فِيهِ) كأنه قال (لا رَيْبَ فِيهِ) في حال هدايته. ويجوز أن يكون موضعه رفعا على إضمار (هو) ، أو (فِيهِ).
فإن قيل : لم خصّ المتقين ؛ وهو هدى لهم ولغيرهم؟ قيل : تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على نفي ما عداه ، وفائدة التخصيص تشريف المتقين ، ومثله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ)(١)(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(٢).
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ؛ أي بالبعث والحساب والجنّة والنار. وقيل : (الغيب) هو الله. قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ، أي الصّلوات الخمس بشرائطها في مواقيتها. قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) ؛ يعني الزكاة ؛ وهو الأظهر ؛ لأن الله تعالى قرن بين الصلاة والزكاة في مواضع كثيرة ، وإقامة الصلاة طهارة الأبدان ؛ وإعطاء الزكاة طهارة الأموال. وبالأموال قوام الأبدان ، وقد قيل : هو نفقة الرجل على أهله.
__________________
ـ ويقال : أراب الأمر ؛ أي صار ذا ريب ، واستراب به ؛ أي رأى منه ما يريبه من ظنه السوء ، وأمر ريّاب ؛ أي مفزع ، وارتاب : شكّ ، وارتاب به : اتّهمه. قال جميل بثينة :
بثينة ؛ قالت : يا جميل أربتني |
|
فقلت : كلانا يا بثين مريب |
والريب قريب من الشك وفيه زيادة ؛ كأنه ظن السّوء ؛ تقول : رابني أمر فلان إذا ظننت به سوء وتوهّمته حتى ينكشف ، فهو قلة يقين كما في قوله تعالى : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ١١٠]. لهذا كان الريب قريبا من الشكّ ؛ لأنه كما قال الجويني : «الشك ما استوى فيه اعتقادان أو لم يستويا ، ولكن لم ينته أحدهما إلى درجة الظهور الذي يبني عليه العاقل الأمور المعتبرة» والريب ما لم يبلغ درجة اليقين وإن ظهر نوع ظهور ، فالشك يسبق الريب ؛ لأنه سبب الريب ، فهو مبدأ له كما أن العلم مبدأ اليقين.
قال الكفوي وغيره : «والريب قد يجيء بمعنى القلق والاضطراب ، والحديث [دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإنّ الصّدق طمأنينة والكذب ريبة]».
ينظر : مفردات غريب القرآن للراغب : ص ٣٦٨ ، تحقيق صفوان عدنان. والكليات للكفوي : ص ٥٢٨. وكتاب الغريبين للهروي : ج ٣ ص ٨٠٢. والقاموس المحيط للفيروزآبادي.
(١) يس : ١١.
(٢) النازعات : ٤٥.