النادر ، وكانوا يرون أن الأمطار تنزل من السماء ، وأن الأرض مستوية ، كالفراش ، وأن السماء سقف الأرض ، وكانوا يرون أن النجوم مسامير لامعة من الفضة مركبة في قبة السماء ، أو أنّها قناديل معلقة في الفضاء! وكان أهل الهند الأقدمون يؤمنون بأن الأرض محمولة على أحد قرني «البقرة الأم» ، وهي حين تقوم بنقل أرض من قرن إلى آخر يحدث زلزال على البسيطة (١). وكان العلماء يرون أن الشمس ساكنة بلا حراك ، وأنّ الأرض تدور حولها ، إلى أن جاء «كوبر نيك» (١٤٧٣ / ١٥٤٣ م) ، وعرض فكرته الشهيرة عن حركة الشمس.
* * *
وهكذا تقدم العلم رويدا رويدا ، إلى أن زادت قوة المشاهدة والدراسة لدى الإنسان ، فكشف عن أسرار كثيرة. والآن لا نجد جزءا ما من معلوماتنا عن أجزاء الجسم ، وشعب العلم المختلفة ، إلّا وقد تغيرت نظرتنا إليه كلية ، وثبت بطلان عقائد العصر القديم.
ويدل هذا بكل صراحة على أنّه لا وجود لكلام إنساني تدوم صحته كليا ... لأنّ الإنسان يتكلم عما هو معروف من المعتقدات ، والعلوم في عصره ، إنّه سوف يسرد ما وجده في زمنه ، سواء وقع كلامه في دائرة الشعور أو اللاشعور. ولذلك لا نجد كتابا مضى عليه حين من الدهر إلّا وهو مملوء بالأغلاط ، والأخطاء من سائر نواحيه ، نظرا إلى الكشوف الجديدة في كل الميادين.
ولكن مسألة القرآن الكريم تختلف تمام الاختلاف عن هذه الكلية! فهو حق وصادق في كل ما قال ، كما كان في القرون الغابرة. ولم يطرأ على مقاله أي تغير رغم مضي قرون ، وعصور طويلة. وهذا في نفسه دليل على أن منبعه عقل جبار يحيط بالأزل ، وبالأبد علما ، وهو يعلم
__________________
(١) شاعت هذه العقيدة الخرافية كذلك في أوساط العوام ، وأشباه المتعلمين في شرقنا العربي ، وإن كان تيار العامة الآن يقضي على مثل هذه الخرافات.