رابعا : إنّ طبيعة الديانة التي يدين بها الراهب بحيرا تأبى عليه أن يكون معلما أو أستاذا لدين غير دينه. أو أن يكون معلّم ، أو ملقنا لدين آخر جديد ، ومخالف لدينه. فهل يعقل أن يضع بحيرا من نفسه معلما ومرشدا ، وملقنا لدين أو عقيدة تخالف دينه ، وعقيدته ، بل ويهاجمهما ويفندهما؟! وهل يعقل أن يلقن الراهب المسيحي بحيرا الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كتابا هو القرآن الكريم يسفه أحلامه ، وأحلام قومه النصارى ، وينقض عقيدتهم ، ويفند ديانتهم المحرفة؟!! ومن الثابت اليقيني أن هؤلاء وغيرهم من أصحاب مثل هذه الشبهة يعلمون علم اليقين ـ خاصة أهل الكتاب منهم ـ أنّ القرآن من عند الله تعالى ، وما كان أن يفترى من دونه مصداق قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) سورة يونس آية ٣٧. ومما يندي الجبين ، وتحتار له العقول أن هؤلاء ـ ومنهم أهل الكتاب ـ يفترون على القرآن ، وعلى الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وينسبونه إليه ، وهم يعلمون صدق نبوته ، ورسالته ، وحقيقة قرآنه من كتبهم ، وأناجيلهم ، وتوراتهم ، فقال تعالى : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) سورة يونس آية ٩٤.
أي اسأل أهل الكتاب الذين يعرفون التوراة ، والإنجيل ، وبأن هذا محقق عندهم ، وفي كتبهم. وقد جاءك يا محمد البيان ، والخبر الصادق عن القرآن ، فلا يكون عندك شك مما يمترون. وهؤلاء ما كان جحودهم بألوهية القرآن إلّا من بعد معرفة ، وعندهم الكتب السماوية ، وفيها الخبر اليقين ؛ فهؤلاء الكافرون حقا. قال تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) سورة العنكبوت آية ٤٧. قال قتادة : «وإنّما يكون الجحود بعد المعرفة» (١). والله تعالى في نفيه لتهمة هؤلاء الذين فقدوا كل دليل على ما يدّعون ، فالله تعالى يسري عن نبيه ، ويؤكد صدقه ؛ وبدليل أنّه لم
__________________
(١) الطبري ـ التفسير ـ ج ٢١ ـ ص ٤.