اليوم التالي ـ ولم يكن لبيد أسلم بعد ـ فأذهلته الآيات القرآنية حتى أنّه صرخ من فوره قائلا : «والله ، ما هذا بقول بشر ، وأنا من المسلمين» (١) ويروي ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء : «أن هذا الشاعر تأثر ببلاغة القرآن ، فهجر الشعر. وقد قال له عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» يوما : يا أبا عقيل ، أنشدني شيئا من شعرك. فقرأ سورة البقرة. وقال : ما كنت لأقول شعرا بعد إذ علمني الله سورة البقرة ، وآل عمران» (٢).
وقد ذكر الحافظ ابن نعيم في الحلية عن الشاعر لبيد بن ربيعة : «أن عثمان بن مظعون ـ رضي الله عنه ـ كان في أوّل الإسلام يعيش في جوار الوليد بن المغيرة. فلما رأى ما يحدث لإخوانه من أذى المشركين ، عز عليه أن يعذبوا من دونه ؛ فرد جوار الوليد ، ثمّ مضى إلى الكعبة ، فوجد لبيد بن ربيعة في مجلس من قريش ينشدهم ، فجلس معهم عثمان. فقال لبيد ، وهو ينشدهم : ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل. فقال عثمان : صدقت. فقال لبيد : وكلّ نعيم لا محالة زائل. فقال عثمان : كذبت ، نعيم أهل الجنة لا يزول. فقال لبيد : يا معشر قريش ، والله ، ما كان يؤذى جليسكم ؛ فمتى حدث فيكم هذا؟! إلى آخر الخبر» (٣). ومفهوم هذا أنّ لبيدا قد بقي على جاهليته ، ولم يسلم حتى سنة تسع. وقيل : إنّه لم يقل في إسلامه غير بيت واحد هو : الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى كساني من الإسلام سربالا. وقيل هو قوله : ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح (٤).
وقد أورد المستشرق «ولاستن» في كتابه «محمد» قصة : محاولة ابن المقفع لمعارضة القرآن ، وعلق عليها قائلا : «إنّ اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس ؛ بل يؤيده حادث وقع
__________________
(١) ج. ساروار ـ محمد النبي ـ كراتشي. ص ٤٨٨.
(٢) ابن قتيبة ـ الشعر والشعراء. ج ١. ص ٢٧٥.
(٣) أبو نعيم ـ الحلية ـ ج ١ ـ ص ١٠٣.
(٤) وحيد الدين خان ـ الإسلام يتحدى. ص ١٠٩.