مصدر الفعل كقولهم : ضربته زيدا (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإنهم المنتفعون به.
وقوله تعالى : (اتَّبِعْ) خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم أي : اتبع يا محمد (ما أُوحِيَ إِلَيْكَ) أي : القرآن فالزم العمل به ، ثم أكد مدحه بقوله : (مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بهذا البيان ، وقوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اعتراض أكد به إيجاب الاتباع لما في كلمة التوحيد من التمسك بحبل الله والاعتصام به والإعراض عما سواه ، وقول البيضاوي : أو حال مؤكدة من ربك بمعنى منفردا في الألوهية مبني على جواز تأكيد الجملة الفعلية بالاسمية وهو نادر (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ولا تحتفل بأقوالهم ولا تلتفت إلى رأيهم ، ومن جعله منسوخا بآية السيف حمل الإعراض على ما يعمّ الكف عنهم.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ) إيمانهم وعدم إشراكهم (ما أَشْرَكُوا) وهذا نص صريح في أن شركهم كان بمشيئة الله تعالى خلافا للمعتزلة في قولهم : لم يرد الله من أحد الكفر والشرك والآية ردّ عليهم (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي : رقيبا فتجازيهم بأعمالهم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي : فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال.
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي : يعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) وهي الأصنام أي : ولا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها بما فيها من القبائح (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) أي : اعتداء وظلما (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : جهلا منهم بالله وبما يجب أن يذكر به.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم كان يطعن في آلهتهم فقالوا : لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك فنزلت وقال السدي : لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش : انطلقوا فلندخلنّ على هذا الرجل فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته فتقول العرب : كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه ، فانطلق أبو سفيان وأبو جهل وأبي بن خلف ومعهم جماعة إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإنّ محمدا قد أذانا وآلهتنا فنحب أن تدعوه وتنهاه عن ذكر آلهتنا وندعه وإلهه ، فطلبه وقال : هؤلاء قومك وبنو عمك يقولون : نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك وقد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم» فقال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟ قال : «قولوا لا إله إلا الله» فأبوا ونفروا ، فقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي ، فقال : «يا عمّ ما أنا بالذي أقول غيرها» فقالوا : لتكفن عن سبك آلهتنا أو لنشتمنك ومن يأمرك ، فنزلت. وقيل : كان المسلمون يسبونها فنهوا لئلا يكون سبهم سببا لسبّ الله تعالى وفيه دليل على أنّ الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدّي إلى الشرّ شر (كَذلِكَ) أي : كما زينا لهؤلاء ما هم عليه من عبادة الأوثان وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) أي : من الخير والشرّ بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا وتخذيلا ، وفي هذه الآية دليل على تكذيب القدرية والمعتزلة حيث قالوا : لا يحسن من الله تعالى خلق الكفر وتزيينه فهو الفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ) في الآخرة (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا فيجازيهم به.
(وَأَقْسَمُوا) أي : كفار مكة (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : غاية اجتهادهم فيها (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) أي : مما اقترحوه (لَيُؤْمِنُنَّ بِها.)