أفضل منكم وقوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي : عند فعل ربكم بكم ذلك ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والكلبيّ ومقاتل والحسن وهو حسن ، وقال الفرّاء : ويجوز أن تكون أو بمعنى حتى كما يقال تعلق به أو يعطيك حقك أي : حتى يعطيك حقك ويكون معنى الآية ما أعطى أحد مثل ما أعطيتم يا أمّة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم أي يوم القيامة.
وقال مجاهد قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) كلام معترض بين كلامين وما بعد متصل بالكلام الأوّل إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض أي : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحكمة والكتاب والآيات من المنّ والسلوى وفلق البحر وغيرها من الكرامات ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنكم أصح دينا منهم ، وقرأ ابن كثير وحده بهمزة واحدة ، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون هدى الله بدلا من الهدى وأن يؤتى أحد خبر أن على معنى قل إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم حتى يحاجوكم عند ربكم فيقرعوا باطلكم بحقهم ويدحضوا حجتكم ، قال : ويجوز أن ينتصب أن يؤتى بفعل مضمر يدل عليه قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) كأنه قيل : قل إنّ الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لأنّ قولهم : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم إنكار ، لأن يؤتى أحد مثل ما أوتوا قال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده (وَاللهُ واسِعٌ) أي : كثير الفضل (عَلِيمٌ) بمن هو أهله (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) أو نبوّته (مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ففي ذلك ردّ وإبطال لما زعموه بالحجة الواضحة.
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) أي : بمال كثير (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) كعبد الله بن سلام استودعه رجل من قريش ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأدّاه إليه (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) كفنحاص بن عازوراء استودعه رجل آخر من قريش دينارا فجحده (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) أي : إلا إن أودعته واسترجعته منه وأنت قائم على رأسه لم تفارقه ردّه إليك وإن فارقته وأخرته نكل ولم يردّه ، وقيل : المأمون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم ، والخائنون في القليل اليهود لغلبة الخيانة عليهم ، وقرأ حمزة وأبو عمرو وشعبة يؤدّه ولا يؤدّه إليك بإسكان الهاء فهو وصل بنية الوقف فهو سكون وقف بالنية لا بالفعل وقالون باختلاس حركة الهاء ، وحفص والكسائي بالحركة الكاملة والألف في قنطار ودينار بالإمالة لأبي عمرو والدوري عن الكسائي وورش بين بين والباقون بالفتح (ذلِكَ) أي : ترك الأداء المدلول عليه بقوله تعالى لا يؤدّه (بِأَنَّهُمْ قالُوا) أي : بسبب قولهم (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ) أي : العرب (سَبِيلٌ) أي : إثم لاستحلالهم ظلم من خالفهم ونسبوا ذلك إلى الله تعالى قالوا : لن يجعل الله لهم في التوراة حرمة فكذبهم الله عزوجل بقوله عز من قائل (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي : في نسبة ذلك إليه (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون وقال الحسن وابن جريج ومقاتل : بايع اليهود رجلا من المسلمين في الجاهلية ، فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا : ليس لكم علينا حق ولا عندنا قضاء ؛ لأنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم وادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم ، فكذبهم الله تعالى في ذلك.
روى الطبراني وغيره أنه صلىاللهعليهوسلم قال عند نزول هذه «كذب أعداء الله ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي» (١) أي : منسوخ متروك إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر أي : والديون من
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٤٤ ، وابن كثير في تفسيره ٢ / ٥١ ، والطبري في تفسيره ٣ / ٢٢٧.