(وَمِمَّا) أي : ومن طيبات ما (أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) من الحبوب والثمار والمعادن فحذف المضاف وهو طيبات من الثاني لتقدّم ذكره. وفي هذا أمر بإخراج العشر من الثمار والحبوب ، واتفق أهل العلم على إيجاب العشر في النخيل والكروم وفيما يقتات من الحبوب إن كان مسقيا بماء السماء ، أو من نهر يجري الماء فيه من غير مؤنة ، وإن كان مسقيا بساقية أو نضح ففيه نصف العشر ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريا العشر ، وفيما يسقي بالنضح نصف العشر» (١) وعنه : «ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» (٢) وقال قوم الآية في صدقة التطوع قال صلىاللهعليهوسلم : «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له صدقة» (٣).
(وَلا تَيَمَّمُوا) أي : لا تقصدوا (الْخَبِيثَ) أي : الرديء (مِنْهُ) أي : المذكور (تُنْفِقُونَ) في الزكاة حال من ضمير تيمموا (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) أي : الخبيث (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا) أي : تسامحوا (فِيهِ) بالحياء مع الكراهة مجاز من أغمض بصره إذا غضه.
وروي عن البراء قال : لو أهدي ذلك لكم ما أخذتموه إلا على استحياء من صاحبه وغيظ ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كانوا يتصدّقون بحشف التمر وشواره فنهوا عن ذلك ، هذا إذا كان المال كله أو بعضه جيدا فإن كان كل ماله رديا فلا بأس بإعطاء الرديء (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لانتفاعكم (حَمِيدٌ) أي : يجازي المحسن أفضل الجزاء على أنه لم يزل محمودا ولا يزال عذب أو أثاب.
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي : يخوّفكم به إن تصدّقتم ويقال : وعدته خيرا ووعدته شرا قال تعالى في الخير : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) [الفتح ، ٢٠] وقال في الشر : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج ، ٧٢] فإذا لم يذكر الخير والشر قلت : في الخير وعدته ، وفي الشر : أوعدته والفقر سوء الحال وقلة ما في اليد وأصله من كسر الفقار ومعنى الآية أن الشيطان يخوّفكم بالفقر ، ويقول للرجل : أمسك مالك فإنك إذا تصدّقت افتقرت.
(وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي : بالبخل ومنع الزكاة قال الكلبي : كل فحشاء في القرآن فهو الزناء إلا في هذا الموضع.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) لما وقع منكم من تقصير وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره ، لما له من الإحاطة بصفات الكمال ، ولما جبل عليه الإنسان من النقص.
(وَفَضْلاً) بالزيادة في الدارين وكل نعمة منه فضل ثم أكد ذلك بقوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ) فضله (عَلِيمٌ) بالمنفق وغيره.
وفيه إشارة إلى أنه لا يضيع شيئا وإن دقّ ، وعن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى قال : يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق مند خلق السموات والأرض
__________________
(١) أخرجه البخاري في الزكاة حديث ١٤٨٣ وأبو داود في الزكاة حديث ١٥٩٦ ، والترمذي في الزكاة حديث ٦٣٩ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٤٨٨.
(٢) أخرجه النسائي في الزكاة حديث ٢٤٨٤ ، والدارمي في الزكاة حديث ١٦٣٤.
(٣) أخرجه مسلم في المزارعة حديث ٢٣٢٠ ، والترمذي في الأحكام حديث ١٣٨٢.