(فَإِمْساكٌ) أي : فعليكم إمساكهنّ إذا راجعتموهنّ بعد الطلقة الثانية (بِمَعْرُوفٍ) وهو كل ما يعرف في الشرع من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) بالطلقة الثالثة ، أو بأن لا يراجعها حتى تبين منه.
تنبيه : اختلف العلماء فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقا ، فذهب الأكثر ومنهم الشافعيّ رضي الله تعالى عنه إلى أنه يعتبر عدد الطلاق بالزوج ، فالحرّ يملك على زوجته الأمة ثلاث طلقات ، والعبد لا يملك على زوجته الحرّة إلا طلقتين وذهب الأقلّ ومنهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ، إلى أن الاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق كالعدّة ، فيملك العبد على زوجته الحرّة ثلاث طلقات ولا يملك الحرّ على زوجته الأمة إلا طلقتين.
(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ) أيها الأزواج (أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ) من المهور (شَيْئاً) إذا طلقتموهنّ. روي أنها نزلت في جميلة أخت عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، كانت تبغض زوجها ثابت ابن قيس فشكته إلى أبيها فقال : ارجعي إلى زوجك ، فإني أكره للمرأة أن لا تزال رافعة يديها تشكو زوجها ، فلما رأت أباها لم يشكها رجعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأرسل خلفه فجاءه ، فقال له : «مالك ولأهلك؟» قال : والذي بعثك بالحق نبيا ما على وجه الأرض أحبّ إليّ منها غيرك فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، «ما تقولين؟» فقالت : هو مني أكرم الناس حبا لزوجته ولكن ، لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي ، ورأسه شيء والله لا أعيبه في دين ولا خلق ، ولكن أكره الكفر في الإسلام ، ما أطيقه بغضا أي : أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر بغضا فيه ، ويحتمل أن تريد كفران العشرة ـ إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدّة ، فإذا هو أشدّهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها ، فقال ثابت : قد أعطيتها حديقة فقل لها فلتردّدها عليّ وأخلي سبيلها ، فقال لها : «تردّين عليه حديقته وتملكين أمرك؟» قالت : نعم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا ثابت خذ منها ما أعطيتها وخلّ سبيلها» (١) ففعل.
وفي رواية : «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» (٢).
(إِلَّا أَنْ يَخافا) أي : الزوجان (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أي : لا يأتيا بما حدّه لهما من الحقوق ، وقرأ حمزة يخافا بضمّ الياء بالبناء للمفعول ، فإن مع صلتها بدل اشتمال من الضمير في يخافا والباقون بفتحها بالبناء للفاعل (فَإِنْ خِفْتُمْ) أيها الأئمة والحكام (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أي : ما حدّه من الأحكام (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) نفسها من المال ليطلقها أي : لا حرج على الزوج في أخذه ، ولا على الزوجة في بذله ، وهذا هو الأصل ، وإلا فيجاز على عوض وإن لم يخافا.
تنبيه : علم مما تقرّر : أنّ الخطاب في الأوّل للزوجين ، وثانيها للأئمة والحكام ، ونحو ذلك غير عزيز في القرآن وغيره. ويجوز أن يكون الخطاب كله للأئمة والحكام ولا ينافي ذلك قوله تعالى : (أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) لأنهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الطلاق حديث ٢٢٢٧ ، والنسائي في الطلاق حديث ٣٤٦٢ ، والدارمي في الطلاق حديث ٢٢٧١.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في الطلاق حديث ٥٢٧٣ ، والنسائي في الطلاق حديث ٣٤٦٣ ، وابن ماجه في الطلاق حديث ٢٠٥٦.