جل ذكره : (وَتَزَوَّدُوا) أي : ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم ، قال أهل التفسير : الكعك والزيت والسويق والتمر ونحوها ، (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) أي : ما يتقي به سؤال الناس وغيره.
(وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي : يا ذوي العقول فإن قضية اللب خشية الله تعالى وتقواه وحثهم على التقوى ، ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه ، وهو مقتضى العقل العريّ عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤))
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) في (أَنْ تَبْتَغُوا) أي : تطلبوا (فَضْلاً) أي : رزقا (مِنْ رَبِّكُمْ) بالتجارة ، في الحج نزلت ردعا لناس من العرب كانوا يتأثمون أن يتجروا أيام الحج ، وإذا دخل العشر كفّوا عن البيع والشراء ، فلم تقم لهم سوق ، ويسمون من يخرج بالتجارة : الداج ويقولون : هؤلاء الداج وليسوا بالحاج.
وروى البخاري : أنه كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية ، يتجرون فيها في أيام الموسم ، وكانت معايشهم منها ، فلما جاء الإسلام تأثموا فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قيل له : هل كنتم تكرهون التجارة في الحج؟ فقال : وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج. وعكاظ سوق لقيس ومجنة وهي بفتح الميم أشهر من كسرها وبفتح الجيم وتشديد النون سوق لكنانة بمرّ الظهران وذو المجاز وهو بفتح الميم وبالزاي سوق لهذيل.
(فَإِذا أَفَضْتُمْ) دفعتم (مِنْ عَرَفاتٍ) وأصله أفضتم أنفسكم ، فحذف المفعول كما حذفوه من دفعوا من موضع كذا ، أي : دفعوا أنفسهم ، واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف عرفات واليوم عرفة ، فقال عطاء : كان جبريل عليهالسلام يري إبراهيم عليه الصلاة والسّلام المناسك ويقول : عرفت فيقول : عرفت فسمي المكان لذلك عرفات واليوم عرفة. وقال الضحاك : كان آدم عليه الصلاة والسّلام لما أهبط وقع في الهند وحوّاء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة فتعارفا فسمي المكان واليوم بما ذكر. وقال السدي : لما أذن إبراهيم في الناس بالحج وأجابوا بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله تعالى أن يخرج إلى عرفات ونعتها له ، فلما بلغ الجمرة الأولى استقبله الشيطان يرده فرماه بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبّر ، فطار ووقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبّر ، فلما رأى الشيطان أنه لا يطيعه ذهب