مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣))
(وَ) اذكر (إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) أي : الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا وأدغم أبو عمرو وهشام ذال إذ في الجيم وأظهرها الباقون (مَثابَةً) أي : مرجعا (لِلنَّاسِ) من الحجاج والعمار وغيرهم يثوبون إليه من كل جانب (وَأَمْناً) أي : مأمنا لهم من الظلم وإيذاء المشركين والإغارة الواقعة في غيره قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت ، ٦٧] كان الجاني يأوي إليه فلا يتعرّض له حتى يخرج وهذا على طريق الحكم لا على وجه الخبر فقط ، فلا ينافي ذلك الوقوع ، قال القاضي أبو يعلى وصف البيت بالأمن والمراد جميع الحرم كما قال تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة ، ٩٥] والمراد الحرم كله ؛ لأنه لا يذبح في الكعبة ولا في المسجد الحرام (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وهذا أمر استحباب ومقامه الحجر وهو بفتح الحاء والجيم الذي فيه أثر قدميه كان يقوم عليه عند بناء البيت أو عند دعاء الناس إلى الحج وهو موضعه اليوم.
روي أنه عليه الصلاة والسّلام أخذ بيد عمر فقال : «هذا مقام إبراهيم فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى؟ فقال : لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت» (١) وعن ابن عباس أنه قال : قال عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : وافقت الله تعالى في ثلاث ، ووافقني ربي في ثلاث فقلت : يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى هذه الآية وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر لو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب وقال : وبلغني معاتبة النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعض نسائه فدخلت عليهنّ وقلت لهنّ : إن انتهيتن أو ليبدلنّ الله تعالى لرسوله خيرا منكنّ فأنزل الله تعالى (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ)(٢) [التحريم ، ٥].
وفي الخبر : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ولو لا ما مسهما من أيدي المشركين لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» (٣) وقيل : المراد باتخذوا إلخ .. الأمر بركعتي الطواف لما روى جابر «أنه عليه الصلاة والسّلام لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال حديث ٣٨١٠٧.
(٢) أخرجه البخاري في الصلاة باب ٣٢ ، وتفسير سورة ٢ ، باب ٩ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٤ ، والدارمي في المناسك باب ٣٣ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٣ ، ٢٤ ، ٣٦.
(٣) أخرجه الترمذي في الحج باب ٤٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢١٣ ، ٢١٤.