قيل : لم قال أولا : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ)(١) ثم قال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) وجعل بين الكلمتين (اتَّقُوا اللهَ)(٢)؟ قيل : لما كان القصد في عبادة الله إلى الاعتصام به ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقوى عقبه بقوله : (اتَّقُوا اللهَ) ، ولما كان حقيقة التقوى فعل الطاعات ، ولا سبيل للإنسان إلى معرفة ذلك إلا بحبل الله أي كتابه ورسله ، أمر أن يعتصموا بحبله ، ليتوصّلوا إلى تقواه ، ومن تقواه إلى الاعتصام به ، ومن توصّل إلى الاعتصام ثم إلى التوكل ، ثم إلى الإسلام ، استغنى حينئذ عن الوسائط ، الذين هم حبل الله ، ويصير ممن قال صلىاللهعليهوسلم فيه حكاية عن الله : «فإذا أحببته كنت سمعه» (٣).
وهذا الكلام ظاهر الغلو ، وبين البطلان ، فإن الله تعالى قال : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(٤) أي الموت ، والعبادة لا تصحّ إلا بشرطين ، هما : الإخلاص لله ، ومتابعة الشرع. أي متابعة الوسائط التي ذكر الراغب ، وهي الكتب والرسل. قال ابن القيم : الأعمال أربعة : واحد مقبول ، وثلاثة مردودة : فالمقبول ما كان خالصا وللسّنّة موافقا ، والمردود ما فقد منه الوصفان أو أحدهما .. قال الله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(٥). قال الفضيل بن عياض : «هو أخلص العمل وأصوبه ، فسئل عن معنى ذلك ، فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٠١.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٠٢.
(٣) الرسالة ص (٧٦٥ ـ ٧٦٧).
(٤) سورة الحجر ، الآية : ٩٩.
(٥) سورة الملك ، الآية : ٢.