ثم قال : «ورأيت من أعظم ما يجب على الطالب لعلوم القرآن ، الراغب في تجويد ألفاظه ، وفهم معانيه ، ومعرفة قراءاته ولغاته ، وأفضل ما القارئ إليه يحتاج معرفة إعرابه ، والوقوف على تصرّف حركاته وسواكنه ؛ ليكون بذلك سالما من اللحن فيه ، مستعينا على إحكام اللفظ به ، مطلعا على المعاني التي تختلف باختلاف الحركات ، متفهما لما أراد الله به من عباده ، إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني ، ويتجلي الإشكال ، فتظهر الفوائد ، ويفهم الخطاب ، وتصح معرفة حقيقة المراد» (١).
وقد ظهر جليّا في تفسير الراغب أثر الإعراب في اختلاف المعنى والتفسير ، وسوف نسوق لذلك بعض الأمثلة ، التي توضح هذا الأثر ، والتي تبين مدى اهتمام الراغب وعنايته بعلم النحو :
١ ـ قال الراغب : «إن قيل : ما معنى (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)(٢)؟ وذلك يقتضي جواز نبي ليس بصالح ، قيل : قوله (مِنَ الصَّالِحِينَ) متعلق بمضمر ، أي وهو من الصالحين ، وذلك مما أكّد به قوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)(٣) ، ومعناه : من أولاد الصالحين» (٤).
تبيّن من هذا المثال أثر الإعراب في معنى الآية ، وأنه لو لا القول بتعلق الآية بمضمر لاقتضى جواز وجود نبي ليس بصالح ، وهذا يبين أن النحو عند الراغب خادم للمعنى القرآني ، لذلك فإننا لا نجد
__________________
(١) مشكل إعراب القرآن ص (٦٣).
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٣٩.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٣٤.
(٤) الرسالة ص (٥٤٢ ، ٥٤٣).