فإذا عارضنا مادة (الإكليل) العلمية بعد ذلك على (الدر المنثور) و (لباب النقول) و (تفسير الجلالين ـ والسيوطي مصنّف شطره الأول ـ) تبين لنا أن جلّ استنباطات (الإكليل) مكررة في هذه الآثار السيوطية.
ولا أكتم القارىء أن هذه الظاهرة ، ربما عادت بكثير من الفائدة على محقق كتب السيوطي ـ رحمهالله تعالى ـ بل ربما كانت سببا في تذليل عقبات جسام تعترض عمله الشاقّ المضني ، ولا يتهيّأ له من أسباب تذليلها أي مرجع سواها.
إلا أن ذلك لا يغرينا بالإغضاء على هذه الظاهرة الغريبة بحق ؛ وإني لأدعو الدارسين إلى مزيد من التمحيص والتحقيق فيها ، معترفا بفضل الإمام السخاوي الذي نبّه إليها في ترجمة السيوطي في (الضوء اللامع : ٤ / ٦٧ ـ ٦٩). وقد صدق الإمام الشافعي رحمهالله تعالى حيث يقول :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة |
|
كما أن عين السخط تبدي المساويا |
فإن السخاوي كان قرين السيوطي ومنافسه في عصره ، وقد أصاب حقا إذ كان أول من نبّه إلى تكرارات السيوطي ، وإن كان في سائر ما تحامل به عليه ـ دون ذلك ـ متأثّرا بطبيعة علاقة التنافس بين الأقران واعتباراتها.
أخيرا أشير إلى أن شخصية (الإمام السيوطي ـ رحمهالله) تشيع في أسطر (الإكليل) كما شاعت في (لباب النقول) و (الدر المنثور) وغيرهما ... فأنت تراه هنا كما عهدته ، متساهلا في حكمه على كل مادة علمية وقعت عليها يده ، فهو ضنين بها أن تضيع أو تحبس في أقفاص الأرفف!
ومن هنا فإننا نقول : إن المصنف ـ رحمهالله تعالى ـ قد جرى وراء استنباطات بعيدة أو متعنتة ـ أحيانا ـ. ولكن لا يفوتني أن أنوه إلى لفتة ذكية من لفتاته يردّ فيها استدلال المعتزلة على أفضلية الملائكة بقوله تعالى [الأعراف : ٢٠] : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ..).
فقد قال السيوطي : «استدل بها المعتزلة على أن الملائكة أفضل من البشر ، وتأوله أهل السنة ، وأنا أقول : لا أزال أتعجب ممن أخذ يستدل من هذه الآية ، والكلام الذي فيها حكاه الله تعالى عن قول إبليس ، في معرض المناداة عليه بالكذب والغرور والزور والتدليس ..».