وقال شريح بن هانئ : والله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى ، وطعنوا عليه بسوء الظن (١) وما الله عاصمه منه (٢) ، إن شاء الله.
وسار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط الكندي في خيل عظيمة ، حتى إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه ثم قال : يا عمرو ، إنك رجل قريش ، وإن معاوية لم يبعثك إلا ثقة بك ، وإنك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة ، وقد عرفت أن وطأت (٣) هذا الأمر لك ولصاحبك ، فكن عند ظننا بك. ثم انصرف ، وانصرف شريح بن هانئ حين أمن أهل الشام علي أبي موسى ، وودعه هو ووجوه الناس.
وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس ، أخذ بيده ثم قال له : « يا أبا موسى ، اعرف خطب هذا الأمر ، واعلم أن له ما بعده ، وأنك إن أضعت العراق فلا عراق. فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك ، وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام ، فإنها وإن كانت سنة إلا أنه ليس من أهلها ، ولا تعطه يدك (٤) فإنها أمانة وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة. ولا تلقه وحده ، واحذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود ». ثم أراد أن يبور (٥) ما في نفسه لعلي فقال له : « فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره أن يختار أهل العراق من قريش الشام من شاءوا ، فإنهم يولونا الخيار فنختار من نريد. وإن أبوا فليختر أهل الشام من قريش العراق
__________________
(١) ح : « بأسوأ الطعن ».
(٢) أي وبما الله عاصمه منه.
(٣) ح ( ١ : ١٩٦ ) : « أني وطأت ».
(٤) في الأصل : « بيدك » وأثبت ما في ح.
(٥) ح : « يبلو » ، وهما بمعنى.