وأقبل عدي بن حاتم فقال : يا أمير المؤمنين ، إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم ، وكل مقروح ، ولكنا أمثل بقية منهم. وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب (١) ، فناجز القوم ، فقام الأشتر النخعي فقال : يا أمير المؤمنين ، إن معاوية لا خلف له من رجاله ، ولك بحمد الله الخلف ، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك ، فاقرع الحديد بالحديد ، واستعن بالله الحميد.
ثم قام عمرو بن الحمق فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا والله ما أجبناك (٢) ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أجبنا إلا الله عز وجل ، ولا طلبنا إلا الحق ، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لا ستشري فيه اللجاج (٣) وطالت فيه النجوى ، وقد بلغ الحق مقطعه ، وليس لنا معك رأي.
فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس ، وليس آخر أمرنا كأوله ، وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام مني ، فأجب القوم إلى كتاب الله فإنك أحق به منهم. وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.
فقال علي عليهالسلام : إن هذا أمر ينظر فيه.
وذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا : يا معاوية ، ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه ، فأعدها جذعة (٤) ، فإنك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك.
__________________
(١) ح ( ١ : ١٨٥ ) : « نحب » بالنون.
(٢) في الأصل : « ما اخترناك » والوجه ما أثبت من ح.
(٣) استشري : اشتد وقوي. وفي الأصل : « لكان فيه اللجاج » وأثبت ما في ح.
(٤) أي ابدأها مرة أخرى. وفي اللسان : « وإذا طفئت حرب بين قوم فقال بعضهم إن شئتم أعدناها جذعة ، أي أول ما يبتدأ فيها ». ح ( ١ : ١٨٨ ) : « فأعدوها خدعة » تحريف.