ولا سابقته ، ولا صحبته ولا جهاده ، ولا فقهه وعلمه .. والله إن له مع ذلك حدا وجدا (١) ، وحظا وحظوة ، وبلاء من الله حسنا ، فما تجعل لي إن شايعنك على حربه ، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال : حكمك. قال : مصر طعمة. قال : فتلكأ عليه معاوية.
قال نصر : وفي حديث غير عمر قال : قال له معاوية : يا أبا عبد الله ، إني أكره أن يتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا. قال : دعني عنك. قال معاوية : إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت. قال عمرو : لالعمر الله ، ما مثلي يخدع ، لأنا أكيس من ذلك. قال له معاوية : ادن مني برأسك أسارك. قال : فدنا منه عمرو يساره ، فعض معاوية أذنه وقال : هذه خدعة ، هل ترى في بيتك أحدا غيري وغيرك؟ (٢)
ثم رجع إلى حديث عمر (٣) ، قال : فأنشأ عمرو يقول (٤) :
__________________
(١) الحد : الحدة والنشاط والسرعة في الأمور والمضاء فيها. والجد ، بفتح الجيم : الحظ. وبالكسر : الاجتهاد. وفي الأصل : « وحدودا » ولا وجه له. وفي ح : « ووالله إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد من غيره ، ولكني قد تعودت من الله تعالى إحسانا وبلاء جميلا ».
(٢) قال ابن أبي الحديد بعد هذا : « قلت : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو له : دعنا عنك ، كناية عن الإلحاد بل تصريح به. أي دع هذا الكلام الذي لا أصل له فإن اعتقاد الآخرة وأنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات. قال رحمهالله : وما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله. ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأن معاوية عض أذن عمرو. أين هذا من أخلاق علي عليهالسلام وشدته في ذات الله ، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة ».
(٣) يعني عمر بن سعد الراوي.
(٤) في الأصل : « فأنشأ وهو يقول » ، صوابه في ح.