وانتصفنا بهم ، وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس! ». قال علي لجارية بن قدامة ـ وكان رجل تميم بعد الأحنف ـ : ما تقول يا جارية؟ قال : « أقول هذا جمع حشره الله لك بالتقوى ، ولم تستكره فيه شاخصا ، ولم تشخص فيه مقيما. والله لو لا ما حضرك فيه من الله لغمك سياسته ، وليس (١) كل من كان معك نافعك ، ورب مقيم خير من شاخص ، ومصراك خير لك ، وأنت أعلم ».
فكأنه [ بقوله ] : « كان معك » ربما كره إشخاص قومه عن البصرة (٢).
وكان حارثة بن بدر أسد الناس رأيا عند الأحنف (٣) ، وكان شاعر بني تميم وفارسهم ، فقال علي : ما تقول يا حارثة؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا نشوب الرجاء بالمخافة. والله لوددت أن أمواتنا (٤) رجعوا إلينا فاستعنا بهم على عدونا. ولسنا نلقى القوم بأكثر من عددهم ، وليس لك إلا من كان معك ، وإن لنا في قومنا عددا لا نلقى بهم عدوا أعدى من معاوية ، ولا نسد بهم ثغرا أشد من الشام ، وليس بالبصرة بطانة نرصدهم لها ، ولا عدو نعدهم له.
ووافق الأحنف في رأيه ، فقال علي للأحنف : اكتب إلى قومك. فكتب الأحنف إلى بني سعد :
__________________
(١) في الأصل : « وليس كل من كان معك » والتكملة من الإمامة والسياسة لابن تتيبة ١ : ٧٥ ، وقد سقطت منها كلمة « ليس ».
(٢) في الأصل : « فكأنه كان معك وربما كره ... الخ » ، والوجه فيما أثبت.
(٣) أسد ، من سداد الرأى ، وهو استتامته وصحته. وفي الأصل : « أشد » بالمعجمة ، تحريف.
(٤) في الأصل : « أمراءنا » وصوابه من الإمامة والسياسة.