قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا ، فيظهر فيهم كآبة الخذلان. ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل.
فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة ، وأمر بالمنبر فأخرج ، ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم ، لا تفشلوا ولا تخاذلوا (١) ؛ فإن اليوم يوم خطار ، ويوم حقيقة وحفاظ ؛ فإنكم على حق وبأيديكم حجة (٢) وإنما تقاتلون من نكث البيعة ، وسفك الدم الحرام ، فليس له في السماء عاذر.
ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (٣) : أيها الناس ، قدموا المستلئمة ، وأخروا الحاسر ، وأعيروا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحق مقطعه ، وإنما هو ظالم ومظلوم (٤).
نصر : عمر بن سعد ، عن أبي يحيى ، عن محمد بن طلحة ، عن أبي سنان الأسلمي قال : لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو ، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا. قال : وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه ، وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه عنده ، فهم يلونه. و [ كأنه ] أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه (٥) ، فحمد الله ثم قال :
أيها الناس ، اسمعوا مقالتي ، وعوا كلامي ؛ فإن الخيلاء من التجبر ،
__________________
(١) ح : « لا تقتتلوا ولا تتجادلوا ».
(٢) في الأصل : « ولكم حجة » ، وأثبت ما في ح.
(٣) الكلام من : « ثم صعد » إلى هنا ، ليس في ح ، فإن ابن أبي الحديد جعل كلام عمرو من بقية خطبة معاوية. والحق أنهما خطبتان كما سيظهر مما يلي. وانظر البيان والتبيين ٢ : ٢٨٥.
(٤) في الأصل : « فإنه هو ظالم أو مظلوم » وأثبت ما في ح.
(٥) ح : « متوافرون معه ».