فمن حمله على اعتقاد قلنا : وأصل هذا الاستدلال يتقرر على ما تقرر في علم المنطق من أن المقدمة الشرطية لا تتعدد بتعدد مقدمها هنا مثله بتأصله ، وقد يقال : أن هذا الاستدلال إنما ينتج أنه لا يخلي سبيلهم ، وذلك أعم من القتل ، وما ذكره معه في أول الآية ولم يذكر في الآية الصوم والحج ، فمع كونها من آخر ما أنزل ، وكان الحج فذكر هو لأن المذكور أهمها.
قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ).
الزمخشري : (أَحَدٌ) مرتفع بفعل الشرط مضمرا يفسره الظاهر ؛ تقديره : وإن استجارك أحد.
الفخر : إن قيل : إذا كان التقدير ما ذكرتم فما الحكمة في ترك هذا الترتيب الحقيقي؟ ، قلنا : الحكمة فيه ما ذكر سيبويه وهو أنهم يقدمون الأهم ، ولما كان ظاهر الدليل يقتضي إباحة دم كل واحد من المشركين ، فقدم ذكره ليدل على مزيد العناية لصون دمه عن الإهدار ، وفي الآية دليل على أن التقليد غير كاف ، وأنه لا بد من النظر والاستدلال ؛ لأنه لو كان التقليد كافيا لوجب أن لا يعمل بل يقال إما أن تؤمن أو تقتل وليس في الآية ما يدل على مقدار هذه المسألة المهملة ويرجع في ذلك إلى العرف بحسب حال الشخص ، والمذكور في الآية كونه طالبا لسماع الدلائل ، والجواب عن الشبهات ؛ والدليل عليه أنه تعالى علل وجوب تلك الإجازة بكونه غير عالم ، والمعنى [...] لكونه طالبا للعلم مسترشد للحق ، وكل من حصلت فيه هذه العلة وجبت إجازته ، وليس في الآية ما يدل هل المراد سماعه جميع القرآن أو بعضه؟ والظاهر ما يحصل لديه العلم غالبا ، والحربي إذا دخل دار الإسلام كان معتوقا مع ماله إلا أن يدخل مستجيرا لغرض شرعي أو لتجارة أو رسولا أو ليأخذ ماله بدار الإسلام ، وكما له أمان فأمان ماله أمان له ، وانظر كلام مكي في الهداية في هذا الوجه حيث تكلم على إضافة كلام الله فهو مشكل ؛ لأنه قال : إضافة تحضيض بمعنى القيام به ليست إضافة ملك لملك ولا خلق لخالق ، ولا إضافة تشريف بل بمعنى إرادته ؛ غير متعدية عنه ؛ فأفهمه قوله بمعنى إرادته ؛ أي بمعنى إضافة الإرادة إليه في كونها غير متعدية عنه لا كما تقوله المعتزلة أنه تعالى [٣٧ / ١٨٢] خلق الكلام في السجود ، هذا تقدير كلامه وبيانه على مذهب أهل السنة ، وانظر ما ذكر أبو حيان من لزوم تقدير الضمير بعد حتى هو غير لازم بل القدر الفعل ، ونص كلامه : حتى متعلقه بأجره ولا يصح تعلقها باستجارك على أنه من باب الشارع ؛ لأنه لو أعمل الأول لا ضمير في الثاني ، وحتى لا يجر المضمر وعند من يجر بها يصح كونه من باب الشارع ، انتهى.