كان بعضهم يقول
: يحتمل رجوع الخيانة هنا إلى أمرين : خيانة فيما هو حق الله كقتل الحرابة فإنه حق
لله لا يجوز فيه العفو.
وخيانة فيما هو
حق لآدمي كقتل القصاص فإنه يجوز فيه العفو ، ويحتمل رجوعها إلى ثلاثة أمور : خيانة
في حق الله الراجع للاعتقاد القطعي العقلي القلبي ؛ كقول المعتزلة : إن العبد
يستقل بفعله.
خيانة في حق
الله الراجع للاعتقاد الظني كاعتقاد صحة المعاد.
وخيانة فيما هو
حق الآدمي مستفاد من الشرع.
ابن عرفة :
كقتل القصاص ، والخيانة يتعدى إلى المخون بنفسه ، وإلى المخون فيه بحرف الجر ،
كقوله : خان زيد عمرو في ماله ، فإن قلت : فلم عدى الفعل أولا للمخون له وثانيا
للمخون فيه؟ ؛ لأنه قال (لا تَخُونُوا اللهَ
وَالرَّسُولَ) فعداه للمخون ، ثم قال (وَتَخُونُوا
أَماناتِكُمْ) فعداه للمخون فيه بنفسه ، فما السر في ذلك؟ قال : والجواب
أن الأول لما كان حقا لله كان كالمستعظم فيه ذا الحق فذكر ذو الحق وهو المخون دون
المخون فيه ، ولما كان الثاني حقا للآدمي كان الاستعظام فيه أوقع في النفوس من
استعظام صاحب الحق ؛ لأن حرمة المال ومحبته أوقع في النفوس من محبة صاحبه ، أو
تقول في الأول لما كان المخون له أعظم مما فيه الخيانة وأشرف كان ذكره أبلغ في
النفس بخلاف الثاني ، أو يجاب بأنه على حذف مضاف ؛ أي وتخونوا ذوي أماناتكم.
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ
وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
قال ابن عرفة :
قدم المال على البنين وهو عرف القرآن في غير ما موضع ، ولم يرد ما يخالفه في سورة
آل عمران في قوله تعالى : (مِنَ النِّساءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) [سورة آل عمران : ١٤] ابن عرفة : وكان بعض الشيوخ يحكي أنه رأى بعض أهل
السواد يمشي بأولاد كثيرين بعضهم يحمله على عنقه ، وبعضهم بين يديه ، وبعضهم يمشي
معه ، ويقول : ارحموا من خالف كتاب الله عن ذلك ، فقال : الله يقول (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ) [سورة الكهف : ٤٦] فقدم المال على البنين ، وخالفت أنا نصه فقدمت البنين
على المال.
قال ابن عرفة :
وأخذوا من هذه الآية تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر ؛ لأن المال سبب في
الفتنة.
قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).