خاصة ؛ لأنها لا تسمع ولا تعقل جمع الديار فهي تنال كل واحد في داره على حدته ، ولما كانت الرجفة راجعة لأبدانهم وأماكنهم فتزلزل وتخرب حتى تصير كأنها دار واحدة بعد موت ، واختلاطها أفرد الديار.
قلت : ونقل ابن عبد السّلام إلى أنه أجاب بأن الرجفة عقوبة أرضية ؛ فنسبت الديار إليها نسبة واحدة ، والصيحة عقوبة سماوية فتخص كل دار على حدتها.
وأجاب صاحب درة التنزيل بأن الآية التي جمعت فيها الديار وذكر فيها نجاة النبي وقومه ، ولا شك أنهم كانوا يجتمعون لأجله ليسمعوا قوله ، ويختبروا أحواله ، فلما ذهب المعنى الذي لأجله كانوا يجتمعون فرقوا في البلاد فناسب جمع الديار ، والآية التي أفردت فيها الرجفة لم يذكر فيها نجاة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإذا لم يزل النبي بين أظهرهم لم يزالوا مجتمعين ، فكأنهم في دار واحدة ، وعذابهم في ذلك عذاب واحد.
قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ).
قال الزمخشري : وأرسلنا و (إِذْ). ظرف لأرسلنا ، أي واذكر لوطا ، أو بدل بمعنى واذكر وقت قال لقومه.
قال ابن عرفة : يريد أنه ظرف كان منسوبا ، واذكر مفعولا إن كان بدلا من لوطا.
وأورد الطيبي كونه بدلا بأنه يقتضي بأن القول وقع حين الإرسال مع قبله بلا شك ، وأجاب بأن وقت القول خير من يوم أو شهر أو عام ، وذلك اليوم أو الشهر لجمع الإرسال والقول ، قلت : فاعتبر هنا الكل وجعل وقت الإرسال لاجتماعها في وقت آخر يجمع الوقتين ، كما أعيد الضمير في قوله (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [سورة النازعات : ٤٦] على العشية لاجتماعها في يوم واحد يجمعها.
قال ابن عرفة : ويحتمل أن يقال : ليس المراد ابتداء الإرسال فقط ؛ لأنه حين القول يسمى مرسلا وقبله وبعده ؛ فهو حين يرسل أي دائم الإرسال ، قال : لكن يرد على هذا أن قوله : (وَأَرْسَلْنا). هل هو حقيقة في أول أزمنة الإرسال مجاز فيما بعدها أو حقيقة في الجمع؟ وإذا قلنا : إنه مجاز فيكون المجاز فيه من حيث جعلنا لفظ أرسل متناولا زمن القول وما بعده.
وما قال الطيبي : مجاز من حيث جعل زمان القول ظرفا له ، والرسالة لاجتماعها في زمن يشتمل عليها ؛ فيتعارض المجاز في الفعل وهو إذ.
وقال الأصوليون وغيرهم : إن المجاز في الأسماء أكثر.