فأجابني داعي
الهوى في رسمها
|
|
فارقت من
تهوى فعزّ الملتقى
|
ثم إن الله
سبحانه يدعو العباد من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ؛ لئلا يفتتنوا
بزخرفها وغرورها ، ويصلوا إلى جواره ونعيم مشاهدته بقوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ
وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) السالكين إلى الجنة ، ويهدي المجذوبين إلى المشاهدة.
وأيضا : يدعو
الجميع إلى داره ، ويهدي خواص العارفين إلى وصاله ، والجوار للعموم من الفرقة ،
والفوز والوصال للخصوص ، داره في الدنيا قلوب العارفين ؛ لأن فيها سلامة القربة
وأنوار المشاهدة ، وفيها صراط الله المستقيم الذي تسري فيه عساكر تجلي جماله إلى
قلوب العارفين ، وتسري هممهم فيه إلى مصاعد قرب رب العالمين ، ولكن لا يهدي إليها
إلا من يشاء من خواص المريدين والصادقين.
والإشارة في
الدعاء إلى دار السلام أن السلام هو الله المنزه عن علل الحدثان ، يدعو إلى جواره
المتبرئ من الأكوان ، المتصف بصفة الرحمن ، وأهل هذه الدعوة على ثلاث مراتب : أهل
الدار ، وأهل المشاهدة ، وأهل الوصال الدار لأهل الإيمان ، والمشاهدة لأهل الإيقان
، والوصال لأهل العرفان ، يدعو أهل الإيمان إلى داره ، وينادي أهل الإيقان بتقربهم
من مشاهدته ، ويهدي أهل معرفته بعد إدراكهم وصاله إلى معرفة شمائل صفاته ولطائف
أنوار ذاته ؛ لأن هناك الطريق المستقيم حيث عرف نفسه لعارفيه.
قال أبو سعيد
القرشي : خرجت هداية المريد من الاجتهاد في قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا
فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)) ، وخرجت هداية المراد من المشيئة ، وهو قوله : (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، وهو الفرق بين المريد والمراد.
وقال القاسم :
الدعوة عامة ، والهداية خاصة ، بل الهداية عامة ، والصحبة خاصة ، بل الصحبة خاصة ،
والاتصال خاص.
وقال بعضهم :
لات الدعوة لمن لم يسبق له من الله الهداية.
وقال جعفر :
عملت الدعوة في السر فتجللت بها وركنت إليها.
وقال أيضا : ما
طلبت الجنة إلا بالسلام ، وإنما اختارك بهذه الخصائص لكيلا تختار عليه أحدا.
وقال بعضهم :
يدعو إلى دار السلام بالاداب ، ويهدي من يشاء للحقائق والمعارف.
وقال بعضهم :
الدعوة لله ، والهدى من الله.
وقال الأستاذ :
الدعاء تكليف ، والهداية تعريف ، فالتكليف على العموم ، والتعريف على الخصوص.