فتصول عليهم عساكر القصريات ، وأغرقتهم في بحار الشهوات ، وأعمتهم أنظار
المشاهدات ، ويفعلون قبائح الأعمال ، وينسون عهود الأفضال ، وأيام النوال :
عن كأنّ
الفتى لم يعربوا ماذا اكتسى
|
|
ولم يك
صعلوكا إذا ما تحولا
|
يا ليتهم لو
كانوا صادقين في اللجوء إليه ، والتضرع بين يديه ، فإن من بلغ إلى مقام الدعاء
وعرف مقاماته ؛ فهو في منزل الانبساط ، والمنبسط شاهد رضوانه ، وموضع نظره وإحسانه
، ومن وصف هذا الداعي أن يكون مستأنسا بربه ، ويدعوه في جميع حالاته ، وإذا دعاه
بنية صادقة وعقيدة صافية فدعاه في زمان البلاء الصبر ، وفي زمان النعمة الشكر.
قال أبو حفص :
الدعاء باب الله الأعظم ، وهو سلاح المؤمن عند النوائب.
وقال أيضا :
يرجع العبد إلى ربه بالحقيقة عند الفاقات ، ونزول المصائب بالرضا ، ولكنه لما لم
يكن له في أوقات الرفاهية رجوع إليه رد في حال المصائب ، والضروريات إلى الدعاء
واللجوء.
وقال الشيخ أبو
عبد الرحمن السلمي : سمعت جدي يقول : الدعاء على العادة جناية ، وعلى اليقين نجاة
وعبادة كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الدعاء هو العبادة» .
ولكن للدعاء
أوقات وآداب وشروط ، فمن لم يطالب نفسه بأوقات الدعاء وآدابه وشروطه كان محروما ،
وآداب الدعاء وشروطه ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا
أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» .
ثم زاد في وصف
هؤلاء الذين لم يدركوا حقائق العبودية في مشاهد الربوبية ، بأنهم هلكوا بانصرافهم
عن باب الله ، ومحل الإخلاص إلى متابعة الشهوات والاقتداء بالوسواس بقوله : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) : الظلم ها هنا الإنكار بعد الاعتراف والإعجاب بالرأي
بعد ترك السنة ، والأسوة لما عتوا على أسماء الله بعد علمهم بصدق كراماته ، أهلكهم
الله بأن تركهم في حجاب الشهوة والنفس ، ولم يعرفهم طريق الخطأ ، ولم يشدهم إلى
طريق أهل قربه ووصاله.
قال ابن عطاء
في قوله : (لَمَّا ظَلَمُوا) لما اعتمدوا سوانا.
وقال أبو عثمان
: لما ظلموا لما لم يعرفوا حقوق أكابرهم ، ولما يتأدبوا بادابهم ، ثم خوف الله
سبحانه خلفاء الأنبياء من الصديقين والمقربين لا يلتفتوا في طريق الله إلى شيء غير
الله ،
__________________