صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦))
قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) حرماته مقام الاتصاف والاتحاد ؛ فمن اتصف بصفاته ، وتوحد بتوحيد ذاته يقع في بحر الربوبية ، ويستغرق في لجج الديمومية ، وينكشف له أسرار السرمدية والأزلية ، ويسكر بشربات وشراب المشاهدة ، ويقتضي هذه أحوال له دعوى الأنائية من حلاوة مباشرة أنوار الأزلية بنعت التجلي والوصلة ؛ فمن كان هناك محفوظا بقي على نعت العبودية ، ولا يخفى على حرمات الحقيقة ؛ فهو خير له بأن يزيد حاله من الله سبحانه ، ويكون إماما في الصحو والتمكين مثل الخلفاء والنجباء يقتدي به سلاك الطريقة وملوك الحقيقة ، ومن خرج برسوم أهل السكر ، ويدع الأنائية يكون محترقا بنيران الغيرة ، مصلوبا على باب الهيبة والكبرياء والسلطنة ، وأيضا من شاهد مشاهدة الحق بنعت الانفراد عن الحدثان خالصا عن الجنان متبرئا من حظوظه التي يطمع فيها عند مشاهدة الرحمن ، فهو من أهل الحرمة في القربة ، ومن كان حبه لحظه ؛ فهو غير محترم في مقام الحرمة ، يا غافل الحرمة في العبودية تقتضي قرب الربوبية والحرمة في الربوبية يسقط علل الحدوثية.
قال الواسطي : من تعظيم حرمة الله ألا تلاحظ شيئا من كونه ، ولا من طوارق محنته ، ولا تلاحظ خليلا ولا كليما ولا حبيبا ، مادام تجد إلى ملاحظة الحق سبيلا.
وقال فارس : حرمات الله صفاته ، ومن تهاون بحرمات الأمر والنهي ؛ فقد تهاون بالذات ، وهو نفس النفاق.
قال ابن عطاء : الحرمة ثلاثة أوجه ؛ أولها : القطع من الموافقة ، ثم القطع من لذة المشاهدة ، وقال بعضهم : رؤية الأفعال وطالب الأعواض.
ثم ذكر سبحانه بعد ذلك مقام حرماته ، وبيّن أن من عظم أمره ؛ فقد عظم جلاله وعظمته بقوله : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)) بيّن أن تعظيم الله تعظيم شعائره يصدر من قلوب المتقين الذين هم في مشاهدة عظمة الله وجلاله وكبريائه في احتشامه وهيبته ، وتقوى القلوب هو الاجتناب عن سوء الأدب في العبودية والخجل والحياة في مشاهدة الربوبية.
قال سهل : تقوى القلوب هو ترك الذنوب ، وكل شيء يقع عليه اسم الذم.
قال الجنيد : من تعظيم شعائر الله التوكل والتفويض والتسليم ؛ فإنها من شعائر الحق في أسرار أوليائه ، فإذا عظمته وعظمت حرمته زين الله ظاهره بفنون الاداب.