الأرض محل نظر الحق فشتان بين عرش وبين عرش ، ثم مع هذه الاية وعقيبها جمع الله سبحانه علومه القديمة المحيطة بالحدثان من فوق العرش إلى ما في تحت الثرى ، وذلك قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦)) أخبر عن علمه وملكته معا بما فوق العرش ، وما تحت الثرى وما بين العرش والثرى من أطباق السماوات ، وما بينهن وأطباق الأرضيين ، وما بينهن فذكره تعالى استوى على العرش إخبار عن قهر سلطانه وبنعت الاستيلاء على أعظم خلقه وعن علمه بما فوق العرش من علم الغيب غيب الغيب وما تحت العرش إلى الثرى من علومه الغيبية في بطون أفعاله ، وما تحت تحت الثرى من أسرار ربوبيته أي : أن الكون استغرق في بحار علمه وقدرته وإرادته بالمثل كخردلة في البوادي ، أو كحلقة في البحار والسلطان ، كبرياؤه محيط بجميع ذراته فالكون كالكرة في ميادين عظمته عند صولجان قدرته ، يضرب بها تلك الكرة في كل لمحة ألف مرة ويذهب بها من الازال إلى الاباد ، ومن الاباد إلى الازال ، والله إن من وقت ما خلق الله الكون يتحرك الكون في طلب ما يتعلق به من نور فعلمه ، وما أدركه فكيف يدرك أنوار الصفة وإذا لم يكن مدرك أنوار الصفة كيف يدرك عزة الذات وأين الكون من إدراك وحدانية القديمة ولحوقه بجلال مجد ذاته ، بل هو صاغر حقير في قبض جبروته لا مصرف له ينصرف إليه منه ، ولا مخرج له منه فيخرج من تحت قهره بل كذرة تبن على جناح الرياح العواصف والصرصر القهار تذهب بها ، ولا تعرف أين تذهب.
ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «الكون في يمين الرحمن أقل من خردلة» (١).
ثم اعلم الخلق أن الكل له ؛ فلا ينبغي العالم به أن يطمع في غيره حتى لا يشوب قلبه بالشرك الخفي ، قيل له : الملك كله فمن طلب البعض من الكلى من غيره فقد أخطأ الطلب.
ثم أخبر عن عظيم جلال علمه بمكنون الأسرار وخفي الإضمار بقوله : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) افهم أن للطبيعة سرّا والملك السر سر وللنفس سرّا ، ولذلك السر سر ، وللقلب سرّا ، ولذلك السر سر ، وللعقل سرّا ، ولذلك السر سرّا ، وللروح سرّا ، ولذلك السر سر ، وللسر سرّا ، وذلك السر سر ، ولسر السر سرّا ، ولذلك السر سرّا ، أما سر الطبيعة إضمار الميل إلى طلب ما تقوم به من فيض العناصر ، وسر ذلك السر نداء فعل الحق إلى الطبيعة بنعت جذبها إلى طلب حظها ، وهو أخفى من ذلك السر.
وأما سر النفس ؛ فهو حديثها الخفي الذي يصدر منها في غيب الخواطر بقلب هواها
__________________
(١) ذكره ابن عجيبة في البحر المديد (٣ / ٣١٥).