المعاني الغيبية ، بل الاتصاف بالصفات الإلهية ، بل التحقق بالله بعد
الفناء فيه لا الثواب كما زعمت.
(سَأُنَبِّئُكَ
بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي : لما اطمأنت النفس واستقرت القوى أمكنك قبول
المعاني وتلقي الغيب ، الذي نهيتك عن السؤال عنه حتى أحدث لك منه ذكرا فسأذكر لك ،
وأنبئك بتأويل هذه الأمور إذا استعددت لقبول المعاني والمعارف.
(أَمَّا السَّفِينَةُ
فَكانَتْ لِمَساكِينَ) في بحر الهيولي أي : القوى البدنية من الحواس الظاهرة
والقوى الطبيعية النباتية ، وإنما سماها مساكين ؛ لدوام سكونها وملازمتها لتراب
البدن ، وضعفها عن ممانعة القلب في السلوك والاستيلاء عليه كسائر القوى الحيوانية.
وحكي أنهم
كانوا عشرة إخوة خمسة منهم زمنى ، وخمسة يعملون في البحر ، وذلك إشارة إلى الحواس
الظاهرة والباطنة.
(فَأَرَدْتُ أَنْ
أَعِيبَها) بالرياضة ؛ لئلا يأخذها ملك النفس الأمارة غصبا ، وهو
الملك الذي كان وراءهم أي : قدامهم (يَأْخُذُ كُلَّ
سَفِينَةٍ غَصْباً) بالغواشي البدنية أو القلب الذي مات ، أو قتل قبل
الكمال باستيلاء النفس في المدنية البدن.
(وَكانَ تَحْتَهُ
كَنْزٌ لَهُما) أي : كنز المعرفة التي لا تحصل إلا بهما في مقام القلب
، لا مكان اجتماع جميع الكليات والجزئيات فيه بالفعل وقت الكمال ، وهو حال بلوغ
الأشد واستخراج ذلك الكنز.
وقال بعض أهل
الظاهر من المفسرين : كان الكنز صحفا فيها علم.
(وَكانَ أَبُوهُما) على كلا التأويلين (صالِحاً).
وقيل : كان أبا
أعلى لهما ، حفظهما الله له فعلى هذا لا يكون إلا روح القدس.
وقوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) ولاية وقرا ومشاهدة (وَعَلَّمْناهُ مِنْ
لَدُنَّا عِلْماً) معرفة كاملة ، وعلما من علومه المجهولة الغيبية التي
مكتومة عن كثير من الأخيار ، وهو علم اللدني الخاص الذي استأثره الله لنفسه ،
والخواص خواصه ، وذلك العلم حكم الغيب على صورة مجهولة حقائقها مقرونة بمنافع
الخلق ، وهذا يتعلق بعلم عالم الأفعال التي براهينها لاستحكام العبودية.
__________________