الأزل ، والباقي باق لم يزل ، وإنما احتجبنا بتوهم فاسد باطل فكشف.
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) العقل القرآني الجامع بالتدريج نجوم تفاصيل العقل الفرقاني نجما ، فنجما على الوجود الحقاني على حسب ظهور الصفات أي : نفصل ما في ذاتك مجملا مكنونا تفصيلا بارزا ظاهرا عليك ؛ ليكون شفاء لأمراض قلوب المستعدين المؤمنين بالغيب من أمتك ، كالجهل والشك والنفاق وعمى القلب والغل والحقد والحسد وأمثالها ، فنزكيهم.
ورحمة تفيدهم الكمالات ، والفضائل ، وتحليهم المعارف.
(وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ) الناقصين استعدادهم بالرذائل والحجب الظلمانية ، الباخسين حظوظهم من الكمال بالهيئات البدنية والصافت النفسانية.
(إِلَّا خَساراً) بزيادة ظهور أنفسهم بصفاتها كالإنكار والعناد والمكابرة واللجاج والرياء والنفاق ، منضمة إلى ما لهم من الشك والجهل والعمى والغمة.
قوله سبحانه : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١) القرآن خطابه مع أحبابه المرضى من سقم محبته ، ومن داء شوقه ، ومن رجاء عشقه ، ومن أثقال معرفته ، وعظم توحيده ، فالقرآن شفاء كل مريض منه ، ولكل واحد منهم شفاؤه من حيث داءه ، فخطاب التشوق شفاء شوق الشائقين ، وخطاب المحبة شفاء محبة المحبين ، وخطاب المعرفة شفاء جرح قلوب العارفين ، وخطاب التوحيد شفاء آلام جراحة أرواح الموحدين ، فيسقيهم مفرح الصفات من تسنيم عيون تجلي الذات ، فيصححهم من لوعة الفراق بفنون الترياق ، وهو رحمة للمؤمنين من حيث الظواهر ؛ لأجل المعاملات ، ورحمة خاصة للعارفين من حيث الحالات.
قال الأستاذ : القرآن شفاء من داء الجهل للعلماء ، وشفاء من داء الشك للمؤمنين ، وشفاء من داء النكرة للعارفين ، وشفاء من لواعج الاشتياق للمحبين ، وشفاء من داء القنوط للمريدين والقاصدين.
__________________
(١) قدّم الشفاء ؛ لأنه إشارة إلى سورة الفاتحة ، والايات المتعلّقة بالأدعية ، ولذا قيّد بكونه شفاء للمؤمن ؛ فإن غير المؤمن لا يجده شفاء بحسب اعتقاده ، وإن كان هو في نفس الأمر شفاء ، كما أن التوحيد حاصل في نفس الأمر سواء عرفوه أم لا ، وإنما الكلام في كلمته ، والاعتقاد له ، فمن لم يتكلّم بكلمته ، ولم يعتقده ؛ لم يكن التوحيد حاصلا بالنسبة إليه : أي بالفعل كمن عنده عسل ، وهو ينكر حلاوته ؛ لغلبة الإصفرار على مزاجه ، أو كان الضرير ينكر نور الشمس ، وهو ظاهر.