نحن في أكمل بالسرور ولكن |
|
ليس إلا بكم يتم السرور |
غبت ما نحن فيه يا أهل ودي |
|
إنكم غيب ونحن حضور |
ويقال : الحياة الطيبة الأولياء ألا يتركه لهم سؤالا إلا حققه ، ولا مأمولا إلا صدقه ، وأما الخواص فالحياة الطيبة لهم ألا يكون لهم حاجة ولا سؤال ولا أرب ولا مطالبة ، وكم بين من له مراد فيرتفع ، وبين من لا إرادة له فلا يريد شيئا ، الأولون قائمون بشرط العبودية ، والاخرون معتقون بشرط الحرية.
(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١))
قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) بيّن سبحانه أن الشيطان لا يغلب بالكفر والضلال على من اختارهم الله في الأزل بالإيمان والمعرفة ، وبصفاته ، وبأسمائه ، وبنعوته بنعت نفي الأنداد والأضداد عن عبوديته ، والإيقان في وجوده ، والإذعان عند تصرفه ، والتوكل عليه في امتحانه وبلائه ، ولا تسلط له عليهم ؛ لأنهم في رعاية الحق وعنايته لا يقدر أن يوسوسهم للتردد في الإيمان ؛ ولكن يوسوسهم من جهة الشهوات الدنيوية ، فإذا صبح أنوار شمس جلاله على وجوههم وقلوبهم وأرواحهم ، يحترق الشيطان عند إلقائه إليهم حتى أفاقوا ، فإذا أفاقوا يقصد إليهم أيضا بالوسواس ، فإذا استعانوا بالله من شره ، وأووا إليه بالتوكل ، احتبس الملعون في مكانه ، يذوب كما يذوب الملح في الماء.
قال أبو حفص : من أراد ألا يكون للشيطان عليه سبيل ، فليصحح إيمانه ، وليصحح بالإيمان بالتوكل عليه ، والإيمان هو ألا يرجع في السراء والضراء إلا إليه ، ولا يرضى بسواه عوضا عنه ، والتوكل هو الثقة بمضمون الرزق كثقتك بمعلومك ، وهذا تفسير قوله : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ).
قال النصر آبادي : من صحح نسبته مع الحق لا تؤثر بعد ذلك عليه منازعة طبع ، ولا وسوسة شيطان ، ثم بين أن سلطانه على من : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) معنى سلطان الشيطان الحيل والمكر والخديعة والوسواس ، لا أن يطيق أن يضل أحدا من خلق الله بغير إذن الله ؛ لأنه تعالى يضل بنفسه ويهدي بنفسه ، وليس له شريك فيها ، إذ هو منفرد بالوحدانية الأزلية وتسلطه إنّما على من أضله الله في الأزل ، وتسلطه أغراه ، وزيادة الوسوسة لمن تابعه وتابع هواه ، وأما للمسلمين والمؤمنين فمن جهته مراد النفس ؛ لا للكفر والضلالة ؛