وقال الأستاذ : من أشهده الحق حقائق التوحيد ، ورأى العالم مصرفا في قبضة التقدير ، لم يكن يهبأ للأغيار ، ومتى يكون للغير عليه تسلط.
في معناه أنشد الحسين بن منصور ـ قدس الله سره :
جحودي لك تقديس |
|
وعقلي فيك تهويس |
وما آدم إلّاك |
|
ومن في البين إبليس |
ثم إن الله سبحانه وصف تلك العباد الذين هم معصومون من شرّ إبليس بالتقوى ، وذكر منازلهم في جنات العلا وعيون الأسني ، وسلامته من البلوى ، بقوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوها (٤٥) بِسَلامٍ آمِنِينَ) أي أن الذين يغضون أبصارهم عن الأكوان والحدثان في جمال الرحمن هم في جنات مشاهدات الذات وعيون الصفات يشربون من سواقيها شرابات المحبة ، ورواق المعرفة ، يقول حبيبهم : «ادخلوا بساتين القدم والبقاء بسلامة من الانقطاع ، والأمن من الفراق» (١).
قال بعضهم : من اتقى الشرك فهو في بساتين وأنهار ، ومن اتقى الله فهو في حظيرة القدس عند مليك مقتدر.
وقال الواسطي : من اتقى العوض جعل ثوابه عليه ما يرجو ويأمله ، ومن اتقى العوض فالحق عوض له من كل ثواب.
وقال الأستاذ : المتقي من وقاه الله بتفضل الأمن ، اتقى بتكلفة لا بل يبقى بتكلفة ، لا بعد أن وقاه الحق بتفضله ، فهم اليوم في جنات ولها درجات ، بعضها أرفع من بعض ، كما أنهم غدا في جنات ، ولها درجات بعضها فوق بعض ، فدرجة قوم حلاوة الخدمة واللذة الطاعة ولقوم البسط والراحة ، والاخرين الرجاء والرغبة ، ولاخرين الأنس والقربة ، (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) [البقرة : ٦٠] ، ولزم كل فريق منهم اليوم مذهبهم.
قال الأستاذ في قوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) : معناه يقال لهم : ادخلوها ، وأجمل ذلك ، ولم يقل من الذي يقول لهم : ادخلوها؟ فقوم يقول لهم الملك : ادخلوها.
ويقال : يحتمل أنهم لا يدخلونها بقول الملك حتى يقول الحق لهم : ادخلوها كما قالوا :
فلا ألبس النّعمى وغيرك ملبس |
|
ولا أقبل الدّنيا وغيرك واهب |
ثم إن الله سبحانه زاد وصف المتقين ، أنهم مقدسون من غل النفساني وغش الشيطاني
__________________
(١) لم أقف عليه.