وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً) بسط أراضي قلوب أوليائه ببسط نور المحبة ، وجعل فيها رواسي المعرفة ؛ لئلا يتزلزل بغلبات هيجان المواجيد ، وأجرى فيها أنهار علوم الحقائق ، وأنبتت فيها أنواع أزهار الحكم وأشجار الفطن ، وأثمرها بثمرات المقامات والحالات بقوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ، وقرن بكل مقام حالا بقوله تعالى : (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ثم يمد عليها أطلال المشاهدة ، ويطلع عليها شمس العناية بدوام الكفاية بقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) ثم وصفها ووصف أصحاب هذه القلوب الذين هم رواسي الأرضين ، وأنفاسهم أعمدة السماوات ، ورؤيتهم مشكاة أنوار الايات إنهم علامات شمائله وسرج مشكاة قدرته لأهل التفكر في الإرادة والتذكر في المحبة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
قال بعضهم : هو الذي بسط الأرض وجعل فيها أوتادا من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ وبهم الغياث ، فمن ضرب في الأرض بقصدهم فاز ونجا ، ومن كان سعيه لغيهم خاب.
قال الجريري : كان في جوار الجنيد إنسان مصاب في خربة ، فلمّا مات الجنيد وحملنا جنازته حضر الجنازة ، فلما رجعنا بقدم خطوات وعلا موضعا عليّا من الأرض واستقبلني بوجهه ، وقال : يا أبا محمد تراني أرجع إلى تلك الخربة ، وقد فقدت ذلك السيد ثم أنشد بقوله :
وا أسفي من فراق قوم |
|
هم المصابيح والحصون |
والأسد والمزن والرّواسي |
|
والخير والأمن والسّكون |
لم تتغير لنا الليالي |
|
حتى طوّقهم المنون |
فكلّ جمر لنا قلوب |
|
وكلّ ماء لنا عيون |
قال بعضهم : الفكرة تصفية القلوب لموارد الفوائد.
قال أبو عثمان : الفكرة استرواح القلب من وساوس التدبير.
ثم وصف أراضي القلوب وما فيها من أشكال العيوب بقوله : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) قلوب المحبين متجاورات لقلوب المشتاقين ، وقلوب المشتاقين متجاورات قلوب العاشقين ، وقلوب العاشقين متجاورات قلوب الوالهين ، وقلوب الوالهين متجاورات قلوب الهائمين ، وقلوب الهائمين متجاورات قلوب العارفين ، وقلوب العارفين متجاورات قلوب الموحدين ، وفي أرض قلوب العارفين قطع متجاورات قطع النفوس الأمّارة متجاورات بعضها بعضا ، وقطع العقول متجاورات بعضها بعضا ، وقطع الأرواح