حملهم ذلك على السؤال عنها ؛ ليتأهبوا لها ويستعدوا ، ثم أمره أن يقول : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) ، أي : لا يكشفها ولا يظهر وقتها إلا هو ، ليس كالأمور التي تجري على أيدي الخلق ، ويكون لغيره فيها تدبير [من إخراج الثمار والنبات والأمطار ، وغير ذلك من الأمور التي تجري على أيدي الخلق ويكون لهم فيها تدبير ، أعني](١) الملائكة الذين سلطوا على حفظ المطر والنبات ، وأما الساعة فإنها تقوم من غير أن كان لأحد من الخلائق تدبير فيها أو علم ، وهو ما وصفها الله ـ عزوجل ـ : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ٧٧] أخبر أن أمر الساعة خارج عن تدبير الخلق ؛ بل تقوم بتدبير الله من غير أن يجريها على [يد أحد](٢) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
قيل (٣) : ثقلت على أهل السموات والأرض.
ثم اختلف فيه : قال قائلون (٤) : قوله : (ثَقُلَتْ) أي : خفيت على أهل السموات والأرض ، فذكر الثقل ؛ لأن كل من خفي عليه شيء ثقل عليه ، فذكر أنها ثقيلة عليهم ؛ لخفائها عليهم.
وقال قائلون (٥) : ثقل وقوعها على أهل السموات والأرض ؛ لكثرة أهوالها وشدة وقوعها.
وأمكن أن يكون قوله : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على نفس السموات والأرض ؛ على ما ذكر في قوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ...) الآية [مريم : ٩٠] ، وذلك من شدة هولها ، ولكن إن كان على نفس السموات والأرض ، أي : لو كانت هي بحيث تعرف وتميز ، وبنيتها بنية من يعرف ثقل شيء لثقلت [عليها] ، وهو ما قلنا في قوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأنعام : ١٣٠] والدنيا لا تغر أحدا ، أي : ما كان منها لو كان ممن يكون منه التغرير لكان تغريرا ؛ فعلى ذلك الأول.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : يدي.
(٣) أخرجه ابن جرير بنحوه (٦ / ١٣٧ ـ ١٣٨) (١٥٤٨٤) عن معمر عن بعض أهل التأويل ، وفي (١٥٤٨٥) عن معمر عن الحسن ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٣٧) (١٥٤٨٣) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٥) وزاد نسبته لأبي الشيخ عن السدي.
(٥) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٣٧ ـ ١٣٨) (١٥٤٨٥) عن الحسن ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٤) وزاد نسبته لبعد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.