قال : عمدنا إلى ما عملوا من خير ممن لا يتقبل منه في الدنيا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله : (هَباءً مَنْثُوراً) قال : الهباء شعاع الشمس الذي يدخل من الكوّة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب قال : الهباء وهيج الغبار يسطع ، ثم يذهب فلا يبقى منه شيء ، فجعل الله أعمالهم كذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر. فإذا وقع لم يكن شيئا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال : هو ما تسفى الريح وتبثه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : هو الماء المهراق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) قال : في الغرف من الجنة وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : لا ينصرف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ، ثم قرأ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))
قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) وصف سبحانه هاهنا بعض حوادث يوم القيامة ، والتشقق : التفتح ، قرأ عاصم والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وأبو عمرو ، تشقق بتخفيف الشين ، وأصله تتشقق ، وقرأ الباقون ، بتشديد الشين على الإدغام. واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، واختار الثانية أبو حاتم ، ومعنى تشققها بالغمام : أنها تتشقق عن الغمام. قال أبو علي الفارسي : تتشقق السماء وعليها غمام كما تقول : ركب الأمير بسلاحه ، أي : وعليه سلاحه وخرج بثيابه ، أي : وعليه ثيابه. ووجه ما قال أن الباء وعن يتعاقبان كما تقول : رميت بالقوس. وعن القوس. وروي أن السماء تتشقق عن سحاب رقيق أبيض. وقيل : إن السماء تتشقق بالغمام الذي بينها وبين الناس. والمعنى أنه يتشقق السحاب بتشقق السماء ، وقيل : إنها تتشقق لنزول الملائكة كما قال سبحانه بعد هذا : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) وقيل : إن الباء في بالغمام سببية ، أي : بسبب الغمام ، يعني بسبب طلوعه منها كأنه الذي تتشقق به السماء ، وقيل : إن الباء متعلقة بمحذوف ، أي : ملتبسة بالغمام. قرأ ابن كثير «وننزل الملائكة» مخففا ، من الإنزال بنون بعدها نون ساكنة وزاي مخففة بكسرة مضارع أنزل ، والملائكة منصوبة على المفعولية. وقرأ الباقون من السبعة (وَنُزِّلَ) بضم النون