الأولى. وقال ابن قتيبة : إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا ، لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلى أسباب من الجنة يلقون الروح والريحان ، ويرون منازلهم من الجنة ، وتفتح لهم أبوابها ، فإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها ، فيكون الاستثناء على هذا متصلا. واختار ابن جرير أن إلا بمعنى بعد ، واختار كونها بمعنى سوى ابن عطية (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). قرأ الجمهور (وَقاهُمْ) بالتخفيف ، وقرأ أبو حيوة بالتشديد على المبالغة (فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ) أي لأجل الفضل منه ، أو أعطاهم ذلك عطاء فضلا منه (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : ذلك الذي تقدّم ذكره هو الفوز الذي لا فوز بعده المتناهي في العظم. ثم لما بين سبحانه الدلائل وذكر الوعد والوعيد ، قال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي : إنما أنزلنا القرآن بلغتك كي يفهمه قومك ، فيتذكروا ويعتبروا ويعملوا بما فيه ، أو سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه لعلهم يتذكرون (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي : فانتظر ما وعدناك من النصر عليهم وإهلاكهم على يدك فإنهم منتظرون ما ينزل بك من موت أو غيره ، وقيل : انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم ، فإنهم منتظرون بك نوائب الدهر ، والمعنى متقارب.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) يقول : لست بعزيز ولا كريم. وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة قال : «لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا جهل ، فقال : إن الله أمرني أن أقول لك (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (١) قال : فنزع يده من يده وقال : ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء ، لقد علمت أني أمنع أهل بطحاء ، وأنا العزيز الكريم ، فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) قال : المهل. وأخرج عنه أيضا (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) قال : هو أبو جهل بن هشام.
* * *
__________________
(١). القيامة : ٣٤ و ٣٥.